مونديال .. سقوط الكبار
إذا كان كل كأس عالم (مونديال) يسدل الستار عليه وقد تميز ببصمة معينة.. بروز نجم.. تميز فريق.. مفاجأة مدوية.. الخ..فإن مونديال جنوب أفريقيا 2010 قد تميز في وقت مبكر.. وفي أدواره الأولى.. بأنه (مونديال سقوط الكبار) وربما كانت المرة الأولى في تاريخ المونديال مشاهدة مثل هذا السقوط للمنتخبات الكبيرة.. وبهذه الصورة! قد يسقط فريق.. أو يتعثر.. أو فريقان.. لكن أن يصل العدد إلى خمسة منتخبات.. ممن سبق لبعضها الفوز بكأس العالم.. وله تاريخ عريق.. أو من هو مرشح قوي لهذه البطولة.. فهذا مصدر الغرابة! بل إن تساؤلاً.. ربما يظهر على السطح..
هل السبب يعود إلى المنتخبات ذاتها !؟.. سواء في أدائها العام.. أو عدم احترامها للخصم.. في بداية المونديال !؟.. أم أنه تطور في مستوى المنتخبات الأخرى المقابلة !؟ على أنه وفي جميع الأحوال.. فإن المنتخبات التي نعني هنا.. لا تخلو من المسؤولية.. فمستوياتها لا تعبر أبدا عن مكانتها.. واستعدادها للمونديال.. وجاءت نتائجها.. حتى وإن تأهلت للمرحلة الثانية.. دور الـ 16 إلا أنها وضعتها في موقف حرج.. حيث ستقابل منتخبات صعبة.. ربما عجلت برحيلها من المونديال.. فعلى سبيل المثال..
إيطاليا..
وهي بطل النسخة السابقة والفائزة بكأس العالم أربع مرات.. تعادلت مع باراغوي ونيوزيلانده.. وبالذات هذه الأخيرة التي لاتملك تأريخا ولا مستوى !.. وهذا ما وضعها في موقف حرج.. فإما أن تغادر.. أو أن تتأهل ثانيا وتقابل هولندا بدلا من اليابان أو الدانمرك وتكون مسيرتها أوفر حظا في النهاية.. تعودنا من المنتخب الإيطالي السير ببطء.. والوصول المتأخر.. لكنه هذه المرة يفتقد الانسجام.. وترابط الخطوط.. والتحرك كتلة واحدة.. بل وشكل الفريق!
ألمانيا..
يبدو أن الماكينة الألمانية تحتاج للصيانة.. فقد أثبتت أن مستواها وفوزها على استراليا.. ربما كان ضعفا في المنتخب الأسترالي أكثر منه تفوقا ً ألمانياً.. حيث خسرت أمام صربيا.. وأصبحت في موقف حرج هي الأخرى.. إذ لابد لها من الفوز على غانا.. وإلا فإن باب الخروج مفتوح على مصراعيه.. خاصة إذا ما فازت صربيا على استراليا وهو أمر وارد وخسرت هي أمام غانا أو تعادلت!
فرنسا..
خسرت من المكسيك وتعادلت مع الأورغواي.. وأكثر الفرق ترشيحا للمغادرة المبكرة.. فيما لو تعادلت مع جنوب أفريقيا.. أو تعادلت المكسيك وأورغواي.. من الواضح أن الفريق الفرنسي يعاني من مشاكل داخلية بين اللاعبين من جهة وبينهم وبين المدرب من جهة أخرى.. الذي يبدو أن الاتحاد الفرنسي قد أخطأ في إسناد هذه المهمة له..! وكان ذلك واضحا من البداية عندما أقصى بعض اللاعبين المؤهلين وضم آخرين بدون أسباب مقنعة..! ثم ماحدث من اللاعب نيكولا تجاه المدرب.. وما صرح به اللاعب تولالان بأنهم ليسوا على وفاق.. والتقارير الواردة من معسكر المنتخب.. كلها تؤكد ذلك!
اسبانيا..
رشحها كثيرون للفوز بكأس العالم.. بناء على فوزها بكأس أوربا.. ومستواها المتميز فيه.. شخصيا.. لاأميل لمثل هذه الترشيحات والحيثيات.. فكأس العالم لها رجالها ومنتخباتها!.. يبدو أنها لم تحترم سويسرا في افتتاح مباريات المجموعة فخسرت بهدف! لازال الأمل أمامها قائما.. في آخر مباريات المجموعة أمام تشيلي.. إذا ماتفوقت (أمس) على هندوراس وهو أمر وارد.. على أن تأهلها لو حدث.. قد يضعها في طريق البرازيل في المرحلة القادمة بدلا من البرتغال! إذا ما تأهلت ثانيا عن مجموعتها!
إنجلترا..
رشحها النقاد للفوز بالكأس بناء على نتائجها في التصفيات المؤهلة.. ومستوياتها المتميزة! تعادلت مع أمريكا والجزائر.. وتأهلها مرتبط فقط بفوزها على سلوفينيا المتصدر.. وهو أمر وارد! هذه المجموعة هي الوحيدة التي تنفرد بكون جميع منتخباتها الأربعة مؤهلة للصعود للمرحلة التالية.. ومغادرة المونديال أيضاً.. سلوفينيا (4 نقط) أمريكا وانجلترا (2) والجزائر(نقطة).. وستلعب سلوفينيا مع انجلترا وأمريكا مع الجزائر..
والغريب..
أن المنتخب الإنجليزي هو أكثر المنتخبات ترشيحا للفوز بكأس العالم عندما يتأهل للمونديال.. وهو من أول الفرق التي تغادره.. وتاريخ كأس العالم يشهد بذلك.. ويبدو أنه ليس (منتخب كأس عالم) ولا حتى (منتخب حسم)! المرة الوحيدة التي وصل فيها لنهائي كأس العالم كانت عام 1966 م عندما استضافت لندن المونديال وفازت بتلك البطولة.. في ظروف لازال يتحدث عنها المتابعون.. وأبرزها هدفها الشهير أمام ألمانيا في النهائي الذي احتسبه الحكم ولم يدخل المرمى.. إلى جانب إصابة بيليه أثناء البطولة بكسر في الساق وهو في قمة مستواه !
على الجانب الآخر
تميزت منتخبات الأرجنتين، هولندا، والبرازيل بأنها أعلنت تأهلها بعد الجولة الثانية.. وهي الوحيدة التي فازت (لم تتعادل أوتخسر).. وهذا يعني ترشحها لصدارة مجموعاتها.. وربما تلجأ في المباراة القادمة إلى إراحة بعض العناصر استعدادا لدور الـ 16 كما أن... منتخبات أمريكا الجنوبية الخمسة.. بالإضافة إلى المكسيك.. مؤهلة جميعها للتأهل للمرحلة القادمة (دور الـ 16).. بل ربما وصلت أربعة منها للدور نصف النهائي.. بحيث تسيطر هذه المنتخبات على البطولة.. على أن وصول فريقين منها على الأقل لهذه المرحلة أمر وارد.. وهو الأكثر ترشيحا.. ممثلا في الأرجنتين والبرازيل !
الأرغواي.. والمكسيك
خدمت القرعة هذين المنتخبين بوضعهما ضمن المجموعة الأولى التي ترأستها الدولة المنظمة (جنوب افريقيا).. وماظهرت به من مستوى ونتائج.. إلى جانب تواضع مستوى المنتخب الفرنسي ليساهم في تصدرهما المجموعة.. بعد أن كان الفريقان أو أحدهما ــ على الأقل ــ خارج الحسابات قبل انطلاق المونديال.. وباتا مرشحين للوصول لمرحلة أكثر تقدما.. إذ ربما يقابل الفائز منهما بصدارة المجموعة منتخب كوريا الجنوبية المرشح ثانيا عن المجموعة الثانية!.. وسيعمل كل منهما على ذلك.. ليتلافى أيضا مواجهة الأرجنتين متصدرالمجموعة..
دور الـ 16
رغم أن الوقت لازال مبكرا.. لتحديد الفرق المرشحة للتأهل للمرحلة القادمة.. في ظل غموض بعض النتائج ومستوى المنتخبات.. إلا أن الرؤية قد اتضحت في نظري ومن وجهة نظر شخصية.. عن بعض ملامح هذا الدور.. حيث من المتوقع.. أن يكون على النحو التالي
ـــ هولندا مع إيطاليا ــ البرازيل مع اسبانيا وسيلتقي الفائزان في ربع النهائي (دور الـ 8) ويتوقع أن تستمر البرازيل إلى دور الأربعة ثم النهائي.. بقية المباريات.. على هذا النحو ستكون الفرصة متاحة لأحد المنتخبات (أوروغواي.. المكسيك.. كوريا الجنوبية) للوصول لدور الثمانية.. حيث تلتقي كوريا في دور الـ 16 مع أحدهما وهي فرصة تاريخية للوصول لهذه المرحلة.. والفرصة أيضا.. أمام منتخبات باراغواي.. اليابان أو الدانمرك.. وسويسرا أو تشيلي والبرتغال للوصول إلى دور نصف النهائي.. حيث تلتقي بعضها في دور الـ 16 ثم إلى الدور ربع النهائي.. الأرجنتين.. مؤهلة ومرشحة لدور الأربعة.. وقد تتخطى ألمانيا أو غانا.. وسلوفينيا.. بعد أن تتجاوز أورغواي أو المكسيك في دور الـ 16.
دور نصف النهائي
على هذا الأساس قد يصل لهذا الدور.. ــ البرازيل ضد ألمانيا ــ الأرجنتين ضد باراغوي أو البرتغال على أن.. البرازيل تظل في نظري.. ووفقا لما تم حتى الآن..هي المرشح الأوفر حظا.. فقد (خلا لها الجو فبيضي واصفري).. في ظل تواضع مستويات بعض المنتخبات.. وتألقها هي الأخرى.. وإن كان الوقت لازال مبكرا فقد تتغير مستويات بعض المنتخبات مع استمرار البطولة.. على أن مايعيب المنتخب البرازيلي.. ثقته الزائدة.. واستكانته للهدوء.. عندما يتقدم بهدف أو أكثر.. مما يعرضه للخطورة.. أما الأرجنتين.. فإنها تملك عناصر مؤهلة للكسب.. والفوز بكأس العالم.. لكن المشكلة أن الفكر التدريبي لديها لايرتقي إلى مستوى هذه العناصر.. وإذا مافازت.. فإن الدور الأكبر هو لهذه العناصر وماتملكه من إمكانات فردية.. وروح جماعية.. ومعنوية عالية وهي مايركز عليه المدرب! والتي أصبحت واضحة في الفريق حيث تغير كثيرا عن التصفيات التأهيلية عندما واجه المنتخب صعوبة في التأهل للنهائيات !
جلال.. والمونديال
قلت (في منتصف الأسبوع) السابق (قبل أسبوعين).. إذا كنا قد غبنا فنيا كمنتخب عن المونديال.. فإننا لم نغب عن هذا المحفل.. سواء في الكوادر الإدارية السعودية في الفيفا (د. حافظ المدلج) أو اجتماعات الفيفا.. أو.. وهذا هو المهم.. التحكيم السعودي ممثلا في خليل جلال.. وقد أثبت خليل كفاءة وقدرة الحكم السعودي حيث نجح وبامتياز في إدارة مباراة فرنسا والمكسيك.. رغم حساسية المباراة وما صاحبها من أحداث.. بدليل تكليفه بمباراة سويسرا وتشيلي.. وهي التي لا تقل أهمية.. جاء نجاح جلال في وقت شهدت البطولة أخطاء تحكيمية مؤثرة في بعضها.. كان لها دورها في تغيير مسار بعض المباريات.. سواء في احتساب أهداف غير صحيحة.. أو العكس.. أو طرد لاعبين.. أو ضربات جزاء.. نجاح جلال.. وأخطاء الحكام الآخرين.. تؤكد على حقيقة طالما تحدثنا عنها وأكدنا عليها.. أن الأخطاء جزء من اللعبة! كما تؤكد.. على أن الحكم السعودي يملك من الكفاءة والقدرة ما يؤهله لإدارة مباريات الدوري المحلي بنفس الكفاءة والاقتدار! ولا أعتقد أننا بحاجة للبحث عن أسباب ذلك.. فالنجاح مرتبط بالراحة النفسية والدعم المعنوي ومايوفره الاتحاد الدولي (الفيفا) لحكامه في المونديال من برامج.. ورعاية.. وحماية.. ــ وهذا هو المهم ــ هو الذي يجعل الحكم ينجح في إدارة المباراة.. وهو ما أكد عليه حكمنا العالمي عبدالرحمن الزيد في هذه الجريدة قبل المونديال وهو يتحدث عن نجاحه في مونديال فرنسا 1998 ومشاركته في المباراة النهائية.. عندما تحدث عن هذه النقطة بالذات.. وهو مايجب أن ننظر إليه.. إذا أردنا لحكمنا الوطني النجاح !
ابيدال.. وكايتا وتربية الإسلام..
وصلني عبر بريدي الإلكتروني، وربما وصل كثيرا منكم لقطة للاعب برشلونة الأسباني ومنتخب فرنسا ايريك ابيدال في مقعده بالطائرة وهو في طريقه إلى جنوب أفريقيا مع منتخب بلاده.. وقد أمسك المصحف الشريف بين يديه يتدبر آياته ويقرأ بعض سوره في خشوع تام.. صورة تمنح الإنسان الشعور بالطمأنينة لهذا الدين وهي أبلغ من أي تعبير.. وقرأ كثيرون تصريح اللاعب النيجيري ساني كيتا الذي طرد في مباراة فريقه أمام اليونان وكان سببا في خسارته.. عندما تلقى تهديدات بالقتل.. فقال: إنه لايكترث بهذه التهديدات لأنه مؤمن وأن الله وحده هو المحيي والمميت.. وهي صورة أخرى للإيمان الحقيقي لهؤلاء.. والمعروف أن كثيرا من اللاعبين الأفارقة الذين يلعبون في الأندية الأوربية.. أو الأوربيين من أصول أفريقية مسلمون.. وهم بذلك يمثلون الوجه الحقيقي لهذا الدين.. إذا ماتمسكوا بأهدابه وسلوكياته.. وقد أحسنت الندوة العالمية للشباب الإسلامي وهي تشارك في المونديال عبر العديد من المعارض والبرامج للتعريف بالإسلام.. وهو ماتحدثت عنه بالتفصيل في مقال سابق.. قبل أسبوعين.. لقد أصبحت مسؤوليتنا مضاعفة في التعريف بالوجه الحقيقي للدين الإسلامي.. في ظل الظروف التي يعيشها العالم هذه الأيام.. والتأكيد على أنه دين السماحة واليسر.. وأنه صالح لكل زمان ومكان. والله من وراء القصد.