Art ـ الجزيرة واتحاد النصر
لعل أكثر ما شغل أذهان المتابعين والجماهير الرياضية على وجه الخصوص خلال الفترة الماضية العقد الذي أبرمته art مع قناة الجزيرة وباعت بموجبه حقوق النقل لكثير من المناسبات الرياضية، خاصة ما يتعلق بالمناسبات الرياضية المحلية والدوري السعودي بمختلف فئاته ودرجاته.
ورغم زوال الضباب تدريجيا واتضاح الرؤية مع بداية هذا الأسبوع إلا أن القلق ما زال يساور البعض خوفاً من تقلب الطقس، وتأثيرات المناخ عليه.
دعونا نتحدث بصراحة أكثر وبذات الوضوح فردود الفعل حول الحدث انقسمت إلى فئتين إحداها مؤيدة ومرتاحة لهذا التحول، والأخرى متحفظة ويساورها القلق.
أولاً : الفئة المؤيدة والتي أبدت ارتياحها انطلقت في موقفها من معيارين أساسيين يتعلق أحدهما بالقناعة بقناة الجزيرة، وإمكاناتها الفنية والثقة في تقديمها ما يرضي شغفهم ورغبتهم في المتابعة.
والثاني.. ردة فعل على art لمواقف متراكمة رأت فيها هذه الفئة نوعاً من الاستفزاز أو عدم تحقيق الحد الأدنى من طموحاتها، بدءاً من التصريح الشهير في بداية النقل الحصري لكأس العالم، وانتهاء بقنوات الأندية مروراً ببعض المواقف في نظرها وأسعار الاشتراك وفرض بعض القنوات عليها.
على أنه وقبل الدخول في المزيد من التفاصيل لابد من التأكيد على كلمة حق.
وهي أننا وإن اختلفنا مع الـart أو اتفقنا ومهما كانت درجة هذا الاختلاف أو الاتفاق لابد من الاعتراف بأنها كانت رائدة في النقل التلفزيوني للأحداث الرياضية، ومثلت فتحاً جديداً في هذا النقل خصوصا “الحصري منه” وأعطت أبعاداً كبرى له، وكان لها دورها المؤثر والإيجابي في الكرة السعودية وساهمت في بناء وإعداد كوارد وطنية مؤهلة في هذا المجال، وتوفير فرص عمل ومداخيل أساسية كانت.. أو إضافية.
لكن السؤال المهم.. هو:
لماذا أقدمت الـart على هذه الخطوة وهي بيع الحقوق لقناة الجزيرة خاصة ما يتعلق بالمسابقات المحلية وأعني “الدوري”؟
يقول محيي الدين صالح كامل نائب الرئيس التنفيذي في توضيح نهائي وصريح حول الموضوع:
(إن الأسباب ترتبط بشكل مباشر بدوافع تجارية)، وهذا يعني ـ في نظري ـ أن الدوافع التجارية يقصد بها تحقيق مصالح الطرفين، وهذه المصالح قد تكون مادية بحتة وقد تكون مصالح معنوية.
وفي نظري ـ المتواضع ـ أيضا أن من حق الـart بيع هذه الحقوق إذا كان ذلك يدور في الإطار القانوني ويحفظ حقوق المستفيدين من العقد الأصلي ويحقق مصالح جمهوره المستهدف.
وهو يذكرني “بعقود الباطن” التي تتم بين بعض الشركات لتنفيذ بعض المشاريع، إلا أن الفرق هنا هو أن “عقود الباطن” تدفع من خلالها الشركة الأم للشركة المنفذة أقل من قيمة العقد الأصلي، وتستفيد من الفرق، وهو وضع معروف وقائم!
وفي حالتنا هذه انعكس المفهوم فالشركة المنفذة هي التي تدفع بما يفوق العقد الأصلي، وهذا أمر طبيعي تحكمه نوعية المشروع وآليته وهو الأمر السائد في جميع المناسبات العالمية والفرق واضح، هناك عقد من الباطن، وهنا بيع حقوق، وإن التقت في نقطة تقاطع معينة.
على أن ما هو معروف في قطاع الأعمال أن عملية كهذه لا تخرج عن أحد أمرين:
ـ إما أن البائع وجد فيها أرباحاً تفوق ربحيته في عقده الأصلي.. بما يغريه عن التخلي عنه.
ـ أو : أنه يهدف لتغطية خسائره وإعادة جدولة نفسه.. أو الخروج من الموقف بوضع أفضل.
وخطوة كهذه لا تقدم عليها إلا شركات محترفة تدرك أبعاد قراراتها، وأهدافها.
ـ يقول محيي الدين كامل، في السياق ذاته:
(إن الـart تكبدت خسائر 140 مليون ريال خلال الفترة من 2006 إلى 2009).
هذه الفترة التي أشار إليها محيي الدين هي فترة العقد الأول مع الاتحاد السعودي لكرة القدم، بقيمة 300 مليون ريال لثلاثة مواسم.
وإذا كانت الخسارة ـ كما يقول ـ 140 مليون فهذا يعني أن المصاريف كانت 440 مليون، أي ما يقارب 150 مليون في الموسم الواحد، وهي نفس القيمة التي جددت بها الـart العقد، أو بالأحرى تم تمديد العقد معها لمدة سنتين بـ300 مليون ريال أي 150 مليون في السنة.
هذه الأرقام تمثل مصدر استغراب وتثير العديد من التساؤلات لواحد مثلي يتعامل مع لغة الأرقام بتجرد، دون التعمق في أبعادها.
فالمعروف أنه في عالم الأعمال، والميزانيات فإن الخطط المستقبلية تأخذ في الاعتبار تنامي الأسعار للمكونات الأساسية للمنتج، وتنامي عدد العاملين في القطاع وهذا يعني زيادة المصروفات فهل من المعقول أن تقدم شركة ما.. على توقيع عقد لتنفيذ مشروع معين على مدى سنتين، بنفس قيمة (التكلفة) المادية فقط للمشروع في سنوات مضت.. دون أن تأخذ في الاعتبار التوسع في قاعدته، وهامش الربحية والمخاطر المحتملة، وهي أساسيات لأي مشروع وأساسيات بدائية لأي شركة لا تمتلك أي خبرة في قطاع الأعمال.
والـart تعاملت مع الحدث ثلاث سنوات أعتقد أنها كافية لتقف على حقيقة الوضع ومتطلبات السوق، وأن تمتلك الخبرة الكافية في ذلك.
ومن هنا.. يبرز التساؤل:
إذاً لماذا أقدمت على التجديد لمدة سنتين بتلك الأرقام وفي ظل هذه الأوضاع؟
بلغة بسيطة.. هذا يعني أحد أمرين:
ـ إما..
أنها تفتقد للإدارة السليمة والتخطيط السليم، بمعنى أنها تعتمد العشوائية بعيداً عن الدراسة الصحيحة والسليمة للسوق.
ـ أو..
أن الرقم المعلن غير صحيح وأعني بالرقم ـ حتى لا يذهب البعض بعيداً ـ الـ140 مليون التي تقول إنها تمثل خسارتها في العقد الأول.
في الأولى.. أربأ بشركة كبرى بهذه الإمكانات والكفاءات.. أن تكون كذلك.
وفي الثانية.. اعذروني فهذه هي حدود تفكيري.
وسأنتقل لجانب آخر من العقد..
فقناة “الجزيرة” وهي الطرف الآخر لم تقدم على خطوة كهذه، إلا وفق حسابات معينة أقلها العائد المادي.
“الجزيرة قناة مدعومة من الحكومة القطرية، وبالتالي فهي أقدر وأقوى إمكانات مادية ما الـart.. وشراؤها لهذه العقود، هو جزء من منظومة عمل متكامل تقوم عليه قطر بهدف استضافة نهائيات كأس العالم (مونديال 2022) والتي سيعلن عنها في نهاية العام (ديسمبر 2010) بمعنى أنه جزء من ميزانية العمل لتحقيق هذه الخطوة، وهو إجراء سليم وصحيح ضمن العديد من الخطوات.
وهذا يفسر قيمة العقد ـ وإن لم يعلن ـ وأنه يحقق مصلحة الطرفين (الجزيرة وart).
تبقى نقطة مهمة..
وهي حقوق الأطراف المستفيدة من عقد الـart سابقا، من أفراد وكيانات حيث أعلن محيي الدين كامل حفظ هذه الحقوق.. وتكفل الـart بها.. وفق آلية معينة.
وأعتقد أن هذا واجب الشركة وواجب الأطراف الأخرى القبول به، ولست مع الذين يلومون الشركة في استغنائها عن بعض الكوادر ـ إن حدث ـ فهذا أمر طبيعي يحصل في كل القطاعات، ويمكن حدوثه في أي لحظة ولأي سبب، المهم هو أن المتضرر ـ إن وجد ـ ستحفظ له حقوقه كاملة، (والأرزاق بيد الله).. (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم).
على أن المتضرر الفعلي من ذلك هو البطولات العربية، مثل بطولة الأندية العربية في كرة القدم أو البطولات العربية في الكرة الطائرة، وغيرها من البطولات التي كانت ترعاها الـart وهذه لا يعني التعويض المالي فيها، إذ أن الجهات المنظمة والمشرفة عليها أو المنفذة لن تجدر راعيا بهذه السهولة، وكما كانت مع الـart.
ـ أما.. تصريح عبدالله العذل وكيل الرئيس العام للشؤون المالية في رعاية الشباب الصادق والواضح والذي أكد فيه على منع قناة الجزيرة من نقل الدوري السعودي، إذا حدث منها تجاوزات معينة أو إخلال بالعقد أو خطأ من خلال مخاطبة الـart فقد (ران) على قلوب المتابعين وأصبح مصدر قلق لهم.
وإن غداً.. لناظره لقريب.
والله من وراء القصد
(نصر).. يفكك (اتحاد)
والـ(نصر) أعلاه ليس النادي ولكنه الحدث والفعل والـ(اتحاد) أعلاه.. هو الآخر ليس النادي ولكنه الكيان.. والصفة.
و(النصر) النادي، هو الذي فعل (النصر) الحدث.
و(الاتحاد) النادي، هو الذي تفكك (اتحاده) ككيان.
وبالفعل فقد كان فوز النصر على الاتحاد مساء أمس الأول في دوري زين بهدفين للاشيء، بمثابة (المفجر) لكثير من الخفايا الاتحادية التي كانت كامنة.. أو بالأحرى معيدا لتفجيرها، وإخراجها مرة أخرى.
والفوز النصراوي لم يكن مصادفة أو لعوامل اتحادية بل العكس بمعنى أن (اتحاد النصر)، هو الذي ألغى (نصر الاتحاد).
وإذا كان الاتحاد قدم مباراة كبيرة رغم ما صاحبها من خروج عن النص، إلا أن النصر كان الأقوى، والأقدر على التعامل مع الحدث، والظفر به.
في هذه المباراة أعادنا النصر إلى زمنه الجميل الذي لا يكتفي فيه بالفوز فقط وإنما بالمتعة أيضا والإبداع.
النصر هو الوحيد الذي هزم الأندية الكبيرة مما يؤكد على أنه كبير هو الآخر.
وهذا يعني أن النصر يملك إمكانات التفوق متى ما عرف كيفية استثمار هذه الإمكانات، وتم منحه الفرصة لاستثمارها.
وإذا ما سار على هذا المنوال.. فلاشك أنه سيصبح رقماً صعباً، ومؤثراً في هذا الدوري وفيما تبقى من مسابقات الموسم.
أما الاتحاد.. فالقضية لم تعد تتعلق بخسارة المباريات، ولكن أيضا بخسارة الروح الرياضية والخروج عن النص، في أحداث لم تكن معتادة من العميد.
وتكرارها يعني أن هناك أموراً خافية، وربما أشبه ما تكون ببراكين يمكن أن تثور في أي لحظة.. أو تنتظر عوامل الطبيعة لإثارتها.
وقد سبق أن تحدثت عن ذلك في موضوع سابق حيث لوحظ هذا التغير منذ خسارة الاتحاد لنهائي الأندية الآسيوية، وبدءا من مباراة الاتفاق.
ولا أعتقد أن خسارة مباراة وحتى لو فرضنا جدلا ـ أقول فرضنا ـ أنها بسبب التحكيم يمكن أن تؤدي بالفريق إلى خسائر متتالية وخروج عن النص من قبل لاعبيه.
وكما قلت سابقا..
العناصر هي ذاتها، والجهاز الفني أيضا، والذي حقق بطولة الموسم الماضي، والإدارة ناجحة ومؤهلة وسارت بالفريق حتى نهائي آسيا، وبامتياز.
هذا كله يدعو للتساؤل، ويشير إلى أن هناك عوامل أدت إلى ذلك.
والفرق الكبيرة عادة لا تتأثر بخسارة مباراة أو أخطاء حكم ولكنها الفرق التي تستطيع أن تتعامل مع الحدث وتتجاوزه.
ومباراة الأمس أمام النصر كانت راقية بكل معنى الكلمة، إلى ما بعد منتصف الشوط الثاني.
ويبدو أن اللاعبين لم يكونوا مهيئين نفسيا بصورة تتناسب مع الحدث، وتوقعاته وهو ما صرح به أسامة المولد بطريق غير مباشر، عندما أكد على أن الخسارة أثرت على نفسياتهم وأدائهم.
إصلاح الشأن الاتحادي..
والخروج باللاعبين من هذه الحالة.. ليست مسؤولية إدارة المرزوقي فقط.. ولكنها مسؤولية الاتحاديين جميعاً.. بمختلف مواقعهم ودرجة المسؤولية.. بأن يأتوا إلى كلمة سواء.. لإعادة ترميم الاتحاد.. حتى لا (يتفتت) ولات ساعة مندم.
والله من وراء القصد.