2009-06-30 | 18:00 مقالات

"أمن الملاعب آن الأوان"

مشاركة الخبر      

عندما تكون جزءاً من حدث ما أوطرفاً مشاركاً فيه.. تصبح أمام حالتين.. أو في موقفين.
ـ إن ما تطرحه حيال هذا الحدث محسوب عليك، وقد يذهب البعض بعيداً في فهمه.. مما يفرض عليك في بعض الأحيان عدم تناوله أو الإشارة إليه رغم قناعتك التامة بذلك.
ـ أن تتناول الحدث من منطلق مسؤليتك الإعلامية ومهنيتك التي تفرض عليك ذلك.. خاصة عندما يكون الحدث بارزا أو لافتاً ويستحق كأنموذج يحتذى به أو عمل يشار إليه.
وقد اخترت الثاني.. وهو الصعب، ولا أدري إن كان الأصعب أم لا.
ـ قبل أسبوعين كنت في قطر، حيث شرفت بإلقاء محاضرة في شرطة العاصمة (الدوحة) عن الإعلام الرياضي ضمن دورة (أمن وسلامة الملاعب الرياضية) التي نظمتها وزارة الداخلية القطرية بالتعاون مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
ولعلي هنا أتوقف عند هذا الحدث من جهتين..
الأولى:
دورة الأمن والسلامة:
والثانية:
جامعة نايف للعلوم الأمنية
أولا:
دورة الأمن والسلامة

قبل الدخول إلى صلب هذا الموضوع لابد من كلمة حق في وزارة الداخلية، والإشادة بها في تبنيها لمثل هذه الدورة واهتمامها بهذا الجانب وحرصها عليه، حيث أنشأت وحدة خاصة لأمن وسلامة الملاعب الرياضية، وشرعت في إعداد أفرادها وتأهيلهم لمهمات كهذه.
والحقيقة
إن أمن وسلامة المنشآت الرياضية عموما وليس الملاعب فقط أصبح هما عالميا، وموضع الاهتمام سواء على نطاق الدول أو على نطاق الهيئات والتنظيمات الدولية، ومنها أو في مقدمتها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، حيث تعنى إحدى لجانه بهذا الجانب.
وأمن وسلامة المنشآت الرياضية لايعني ما يحدث من شغب داخل الملاعب والصالات، ولكنه يشمل أيضا الحفاظ على سلامة المتفرجين ومدى صلاحية المنشأة.. ومن هنا يأخذ بعدين رئيسيين:
الأول:
سلامة المنشأة من الناحية الهندسية والإنشائية كتصميم وتنفيذ ومدى تحقيقها لشروط ومواصفات المنشأة أو الملعب التي تضمن سلامة المتفرجين واللاعبين على حد سواء.. من حيث الأسس والقواعد الإنشائية.. ومخارج الطوارئ ومقاعد المتفرجين.. وسلامة الأرضيات ومناسبتها لمزاولة اللعبة.. للحفاظ على اللاعب.. الخ من أمور تتعلق بهذه الجوانب، وعلى هذا الأساس أصبح عدد الملاعب الرياضية المطابقة لمواصفات وشروط الاتحاد الدولي لإقامة البطولات الدولية قليلا في دول العالم الثالث، وفي قارة آسيا يتناسب العدد مع مكانة القارة وعدد دولها.. ولاتاريخها في كرة القدم.
الثاني:
ما يحدث أثناء المباريات أوبعدها من شغب جماهيري وتصرفات خارجة عن البعض.. سواء كان هذا الشعب (سلميا) ـ كما أسميته في المحاضرة ـ وأعني به التصرفات الفردية التي لا ينسحب أثرها على المجموع أو المنشأة أو أطراف أخرى.. مثل التصرفات الفردية التي تحصل من بعض الجماهير كالنزول إلى أرض الملعب.. وخلافه.
أو كان الشغب (عدوانيا) يمتد أثره على الآخرين كالصدامات بين الجماهير وإثارة الفوضى.. وعمليات التخريب.. ورمي العلب والقوارير.. والاعتداءات على اللاعبين أو الحكام..الخ.
ومن هنا أعطت الدول اهتمامها لهذا الجانب.. بإعداد رجال الأمن المتخصصين والمدربين للتعامل مع مثل هذه الأحداث.
إن المشكلة تكمن في أن الشغب في الملاعب الرياضية يختلف عن أي شغب آخر.
فهو (شغب) غير منظم ولا يخضع لترتيب مسبق، فهو في كثير من الأحيان وليد اللحظة ونتيجة ردة فعل آنية، وفي أحيان أخرى هو تصرف فردي يقود إلى تحرك جماعي دون هدف محدد أو سبب واضح لدى بعض المشاركين فيه.
هؤلاء لاتربطهم علاقة مسبقة.. وإنما هي علاقة وقتية تنتهي بانتهاء الحدث، وبالتالي إن مثل هذا التحرك ينطبق عليه ما يسمى بـ(رأي الجمهرة) أو (ثقافة القطيع)، وهنا تكمن الصعوبة في التعامل معهم ومع نفسياتهم.. لأن منطلقهم التعصب ومحركهم موقف وهدفهم مجهول.
وفي المقابل من الصعب ومن غير المعقول أن يتعامل رجل الأمن مع كل الأحداث وتحت كل الظروف بفكر واحد أو ثقافة واحدة.
فالجماعات الإرهابية أو عصابات السطو أو مروجو المخدرات أو الجماهير الرياضية.. كل له تنظيمه الخاص وأسلوبه في تنفيذ مخططاته،
بعضها منظم وله أهداف محدد،
والبعض لايخضع لأي ترتيب أو تنظيم ولا هدف له، وإنما هي ردود فعل آنية (كالجماهير الرياضية)
وبالتالي فإن التعامل مع هذه الجماعات يختلف من جماعة لأخرى.. ثقافة وأسلوبا وطريقة.
وعدم الاستقلالية أو التخصص في المتعاملين مع مثل هذه الظواهر أو الأحداث قد يؤثر على نفسية المتعامل مها، وينعكس على أدائه وطريقة تعامله مع الحدث الآخر.
أذكر إنني تطرقت لأمن وسلامة المنشآت الرياضية بشيء من الإيجاز قبل فترة، ولعلي هنا أكون أكثر وضوحا وتفصيلا،
وأعتقد أنه آن الأوان لتكوين فرق خاصة بأمن وسلامة الملاعب الرياضية في إدارات الشرطة لدينا.. بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب كمسؤلة عن هذه الملاعب وعن الرياضة.. ومع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية كمتخصص وذي رسالة وتجربة، وهو ما سأتطرق إليه عند الحديث عن الجامعة.
إن اللقاءات الرياضية لدينا.. خاصة في كرة القدم لم تعد لقاءً واحداً أو اثنين في الأسبوع ـ أو خمسين مباراة في العام، والمنشآت والملاعب الرياضية ليست واحدة أو اثنين أو أكثر بقليل.
أصبحت أيام الأسبوع مليئة بالأحداث.. بل أيام العام كله،
مباريات محلية.. ولقاءات دولية.. سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات،
حكام أجانب ومراقبون دوليون.. وتعامل مع منظمات وهيئات دولية ذات أنظمة واضحة ومحددة، ونحن جزء من هذا العالم.. نؤثر فيه ونتأثر به.
وبالتالي أصبح لزاما علينا أن نعي هذا كله ونتعامل معه.
صحيح أن الشغب لدينا في الملاعب الرياضية لم يصل بعد إلى درجة الظاهرة.. ولله الحمد، لكن هذا لا يعني عدم اهتمامنا بالموضوع وتركه للظروف.. لنجد أنفسنا ذات يوم أمام واقع لابد من التعامل معه.
وحادثة واحدة ـ وهذا وارد ـ تكفي لأن يكون التعامل معها منطلقا من أسس صحيحة وبأسلوب صحيح.
بل قد يحدث ما لم يكن في الحسبان ـ لاسمح الله ـ عبر تصرف فردي.. أو حادثة واحدة، مما يستلزم التعامل معه باحترافية بدلا من اجتهادات فردية شاهدنا بعضا منها.. وكيف كانت موضع النقد والسخرية.
هذه ناحية..
والأخرى..أتساءل:
لماذا لانطبق في ملاعبنا الرياضية تجارب الإخلاء الفوري؟! للاطمئنان على تنفيذ خطط من هذا النوع ومدى نجاحها وسلامة أبواب الطوارئ ومخارجها.
لقد تم تطبيق هذه التجارب في كثير من المنشآت كالمدراس وغيرها، وأعتقد أن الملاعب الرياضية لا تقل أهمية إن لم تكن الأخطر، وبالتالي فمن الأهمية بمكان توعية الجماهير عند دخولها إلى الملاعب، وتوضيح المداخل والمخارج ونقاط التجمع، وتنفيذ خطط الإخلاء وتجاربه أكثر من مرة في الموسم الواحد.. وفي مختلف الملاعب.
ولعلنا نتذكر بالمناسبة ما حدث قبل ثلاثين عاما في مباراة الدوري بين النصر والجبلين على ملعب الملز (الأمير فيصل)، عندما رفع أحد الجماهير بصره إلى السماء التي كانت ملبدة بالغيوم المتحركة.. وكان نظره متجهاً نحوعمود الإنارة، وظن أن العمود يتحرك، فقام مذعوراً وتبعته الجماهير دون هدف ودون أن تعرف السبب، مما أدى إلى وقوع بعض الإصابات فيها.. وربما الوفيات حسب ما سمعت آنذاك.
إن أمن وسلامة المنشآت الرياضية أصبح من الأهمية بمكان.. بحيث نتعامل معه بجدية واحترافية بعيدا عن الاجتهادات التي قد لاتؤدي الغرض.. بل ربما العكس في بعض الأحيان.
ثانيا:
جامعة نايف العربية

ربما كانت شهادتي في الأخ العزيز والصديق المهندس سلمان النمشان مجروحة،
المهندس سلمان عرف عنه إنه مدير ملعب الملك فهد الدولي، لكن ما لايعرف عنه إنه عضو في لجنة الأمن والسلامة في فيفا، ومحاضر في هذا الجانب، وهو المشرف العلمي على الدورة التي أشرت إليها.
أبو مخلد.. كان له حضوره اللافت في هذه الدورة ثقافة وتعاملا وأداءً، ولاتسألوني... اسألوا فقط أصحاب الشأن في الدورة، فهم الذين أكدوا لي ذلك، وأكدوا لي أكثر مما وقفت على بعض منه.
لكنني هنا أشير أيضا إلى شخصيتين:
بدر العمرو مدير البرامج الخاصة في الجامعة وزميله في الإدارة هيثم السبع، فهما بحق واجهة مشرفة للجامعة تستحق الثناء والتقدير،
بدر بالمناسبة كان لاعبا اتحاديا ثم وحداويا.. ومتخصصاً في العلاقات العامة، انعكس ذلك على أدائه ونجاحه في مهامه..
هذه مقدمة.. لكن الأهم
هو ما عرفته من بدر عن برامج الجامعة وانفتاحها على المجتمع وتجاوزها النمط التقليدي في التعليم الجامعي، ونجاحها في تصميم وتنفيذ البرامج الموجهة سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.. ولعل هذه الدورة من معطيات وتصميم الجامعة.
ولعلي هنا استغرب لماذا لا نستفيد من خبرات الجامعة في هذا المجال، ويكون هناك تعاون مثمر وبناء بينها وبين الجهات ذات العلاقة في تنظيم دورات لأمن وسلامة المنشآت الرياضية.
صحيح إن مثل هذه البرامج مكلفة ومدفوعة الثمن.. وهذا طبيعي لتغطية تكاليفها، لكننا إذا ما نظرنا إلى مردودها وفائدتها على المجتمع وعلى الوطن والمحافظة على مكتسباته.. نجد أنها تتلاشى أمام ذلك، وإن بعض المصاريف المالية ـ لو تم توضيحها أو جانب منها لمثل هذه البرامج لكانت أفضل.. وحققت مردودا أكثر إيجابية على المجتمع والوطن.. وهو الأهم..
والله من وراء القصد.
صالح بوجلوف..
عقيد من وزارة الداخلية في قطر الشقيقة، له خبرته في أمن وسلامة الملاعب ومسؤول، وكان عضوا فاعلاً في (آسياد) الدوحة في هذا الجانب، وسيكون بإذن الله في كأس أمم آسيا المقبلة.
هذا الرجل لايملك كل من يتعامل معه إلا أن يحترمه.. لأنه يفرض عليه ذلك، طيبته.. خلقه.. كرمه.. تواضعه.. ابتسامته وخفة روحه.. التي لا تفارقه مهما كانت الظروف والضغوط وفي أي وقت ـ ما شاء الله ـ أمده الله بالصحة والعافية.
بوحسن.. يمثل الإنسان القطري الطبيعي.. ويمثل ابن مجلس التعاون الحقيقي.
أينما حللت في دول المجلس تجد الطيبة والكرم والتعامل من أبنائها تجاه بعضهم البعض ـ وتجد التقدير، وهذا ليس بغريب على أبناء المجلس ودوله الذين تجمعهم أواصر المحبة.. وروح الألفة.. والشعور بالانتماء والولاء لبعضهم البعض.
العقيد صالح..
هو واحد من هؤلاء.. من أبناء مجلس التعاون ومواطنيه الحقيقيين، ولكنك لا تملك إلا أن تضعه في الصفوف الأمامية وأنت مجبر على ذلك.
لا خيار أمامك..
لأن الرجال الحقيقيين هم الجديرون بهذا المكان.. وصالح أحدهم.. واسم على مسمى.
والله من وراء القصد.