العقد الفريد والشباب الجديد!!
لم يعد فريق "الشباب" ذلك الرقم الذي يقبع في البداية ضمن بضعة أرقام تقع إلى اليمين من الفاصلة العشرية.. بل أصبح رقماً فاعلاً ومؤثراً ضمن الأرقام الأساسية..
ولم يعد الفريق الشبابي.. ذلك العنصر المحايد الذي لا تأثير له على المعادلات الرياضية..
ولم تعد "الشباب" كلمة... في الهامش... بل دخلت إلى "المتن" وأصبحت ذات تأثير على النص.. وربما تحولت إلى فصل "كامل" أو "باب" ضمن سفر الدوري.. أو كتابه.
لم يعد "الشباب" ذلك الفريق الذي يتأثر بالدوري.. وبالمنافسات الرياضية.. بل أصبح يؤثر فيها.
ولم يعد ذلك الفريق الذي يقتصر دوره على التأثير على مسيرة الفرق في الدوري.. والتبديل والتعديل في مراكزها.. بل أصبح الصانع لهذا الحدث والمتحكم فيه.. والقائد لهذه الفرق في كثير من الأحيان.
"الشباب".. الذي ظل أربعين عاما يصارع الأمواج في بحر لجي... عبر ظلمات لم يستطع خلالها ربابنته توجيه البوصلة.. أو فك رموزها.. ولا هم بالنجم يهتدون..!
هذا "الشباب".. هو الذي ظل ينادي في الظلمات موحدا.. ومسبحاً.. متسلحاً بالتفاؤل.. وممسكاً بخيط الأمل.. حتى إذا "أقلعت" السماء.. وبلعت الأرض.. وغيض الموج... واستوت على الجودي.. قيض الله له ربابنة مهرة يقرأون الفلك.. ويعرفون مواقع النجوم.. ويتعاملون مع التقنية الحديثة.. توازعوا الأدوار فيما بينهم وأدركوا مسؤولياتهم.. فأبحرت السفينة الشبابية من جديد تمخر عباب البحر.. نحو أفق بعيد وارتفع العلم على ساريتها.. قائدة للسفن.. وهادية للبحارة.. نحو شواطيء الراحة ومرافيء النجاح..
... بعد أربعين عاماً من إبحار السفينة الشبابية سألوا محمد جمعة الحربي (أبوحامد).. أحد أبرز الربابنة ـ والذي عاش صناعة هذه السفينة.. منذ أن كانت ألواحاً ملقاة على المرسى... وعايش إبحارها.. متى سيحقق الشباب بطولة؟ فقال:
.. كانت إجابة مليئة بالثقة مفعمة بالتفاؤل.. لم يستوعبها البعض.. ولم يدرك أبعادها كثيرون..
لكنها كانت تنبئ عن عمل ما.. وأن ثمة شيئا يدور في الخفاء!!
وحده (أبوحامد)... كان يعي ما يقول ويدرك أبعاده..
لأنه وهو قائد السفينة آنذاك.. كان المحيط علما بخفايا البيت الشبابي.. وما يدور فيه.. والنار الهادئة الموقدة..
كان يدرك أن هناك من يعمل.. بجهده.. ومن يدعم بماله.. ومن يقف بمعنويته.. لإصلاح عطب السفينة الشبابية..
وفعلا..
لم تمض سنتان.. بل أقل.. إلا وفاز الشباب بأول بطولة كبرى في تاريخه.. كأس دوري خادم الحرمين الشريفين..
وكأنما كان تائها عن درب المنصات.. يبحث عمن يأخذه إلى بابها.. ليصبح زائرا دائماً لها... ووفيا على العهد معها..
كان العقد الماضي.. هو عقد الشباب.. سيطر على البطولات المحلية.. وامتد خارجيا.. وعلى كل الأصعدة إقليميا.. وعربيا.. وقاريا..
وكان العقد الحالي امتداداً لسابقه من حيث الحضور..
وخلال عشرين سنة هي الثلث الأخير من عمره المديد بإذن الله حقق الشباب 19 بطولة... وبمعدل بطولة في كل عام.. جعل من خلالها البسمة بصمة على شفاه محبيه.. لا تغادر محياهم.
وهو رقم استطاع من خلاله أن يتجاوز... وبمراحل آخرين سبقوه لهذا المجد.!!
ورقم تمكن من خلاله.. أن ينافس آخرين كان الوصول لنصف ما حققوه حلماً يراوده.. لا يقوى تحقيقه على المدى المنظور.!!
وأصبح هذا الحلم حقيقة..
بل أنه لم يعد كذلك.. وإنما تجاوزه إلى مرحلة التفوق التي أصبحت مسألة وقت إذا ما سار على نفس النهج.
.. في هذا الموسم.. وقد مضى نصف بطولاته فاز الشباب بإحداها.. ووصل إلى نهائي الثانية.. ولا زال في دائرة المنافسة قاريا..
وبين هذه وتلك عاش صراعاً فنياً.. ونفسيا تمكن من خلاله الانتصار على ذاته..
خلال أسبوعين فقط.. لعب على نهائيين ومباراة أشبه بنهائي.. إن لم تكن أعنف!!
وإذا كان قد خسر إحداها نتيجة.. ولم يتفوق في أخرى.. إلا أن النتيجة العامة تعتبر إيجابية بالنظر إلى ما تحقق له من مكتسبات.. حيث استطاع التفوق فيها على ذاته.. والنجاح.. رغم مرارة الصراع.. وحدة المنافسة.. وهو ما لم يعايشه الآخرون.. أو يعيشونه..
وإذا كان الشباب... قد خسر ثالث بطولات الموسم (الدوري).. إلا أنه استطاع أن يصل من خلالها.. إلى الرابعة.. وإلى أن يضع قدمه في دائرة التنافس القاري الموسم المقبل.. ليظل الحاضر الدائم.. في ساحة المنافسة.. وميدان البطولات.
والله من وراء القصد
(خالد) و(الشباب)
بعد فوز الشباب بإحدى البطولات.. أذكر أنني أشرت.. إلى المصادفة العجيبة.. في اتفاق القيادات الشبابية في الفريق والنادي على اسم "خالد" متسائلا عن هذا السر.. بدءاً من الرئيس الفخري للنادي ورئيس أعضاء الشرف.. ورئيسه السابق والفاعل ورئيس النادي الحالي ومدير الكرة.. وهم حسب الترتيب ومع الاحتفاظ بالألقاب لكل منهم:
ـ خالد بن سلطان بن عبدالعزيز
ـ خالد بن فيصل بن سعد
ـ خالد البلطان
ـ خالد المعجل
في هذه البطولة.. انضم (خالد) جديد.. هو لاعب النادي السابق.. (خالد الزيد).. كمسؤول عن شؤون الاحتراف بالنادي.. ليعود التساؤل من جديد عن هذه المصادفة.. التي يندر حدوثها.. بل وربما يستحيل.!!
هذا التوحد.. والتناغم في الاسم بين القيادات الشبابية.. هل له دور.. أو انعكاس على تناغم الفريق.. ووحدته.. في أدائه.. وعطائه؟.
سؤال فلسفي
لكنه.. لا يخلو من المنطق.
واسألوا علم النفس..
الخروج من عباءة (كوزمين)
بداية لابد من التأكيد على حقيقتين هامتين:
الأولى:
إن كوزمين من أفضل المدربين الذين مروا على الهلال..بل وعلى الكرة السعودية.. ولا أقول أفضلهم.. لا من حيث الناحية الفنية.. ولكن من الناحية الاجتماعية.. وروح التعامل مع اللاعبين وعدم إيثار الذات.. مما ساهم في نجاحه في عمله.. ولا شك أن رحيله خسارة ليس للهلال فقط.. بل وللكرة السعودية.. حاله حال أي مدرب ناجح وجيد في أي ناد.. إذ أن المدربين الناجحين والكفاءات المتميزة في الأندية هي روافد ودعم للكرة السعودية قبل أن تكون لأنديتها.
الثانية:
إن الأسلوب والطريقة التي تم بها إبعاد كوزمين والتوقيت أيضا حيث أن الفريق يعيش مرحلة حسم مهمة وصعبة لأهم بطولة وهي بطولة الدوري ويخوض بطولة الأندية الآسيوية ألقت بظلالها على أداء الفريق لما في ذلك من أثر نفسي على المنتمين للنادي ولفريق القدم.. خاصة وأن رؤيتهم تختلف عن رؤية وردود فعلهم تجاه هذه المسألة.
.. على أن ما هو أكثر أهمية.. وقد سبق أن أشرت لذلك في مقدمة مقال سابق أن (كوزمين رحل) و(طويت صفحته)..
وإذا كان الوضع كذلك فان البكاء على اللبن المسكوب لا يجدي.. ولا فائدة من الوقوف والانتظار على رصيف الأمل.
إن التحرك الذي تقوم به الإدارة الهلالية هذه الأيام.. في البحث عن مدرب مناسب للفريق.. وتكثيف الجهود هو العمل الصحيح والذي يجب أن يتم.
لكن الأهم من ذلك كله.. أن يدرك الهلاليون بمختلف مواقعهم وانتماءاتهم لهذا الكيان هذه الحقيقة.
إن العيش تحت عباءته.. والتعلق بخيوط الأمل كما كان في الأيام الماضية.. له إنعكاسه السلبي على أداء الفريق وما لم يخرج الهلاليون من هذه العباءة فإن ظلالها.. وظلامها سيخيم عليهم فترة ليست باليسيرة.
ليست المرة الأولى.. وهذا ما يدركه الهلاليون ـ التي ينجح فيها الهلال في التعايش مع مدرب كفء ثم يغادر فجأة.. إما للمنتخب.. أو إنهاء عقده..
وليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الهلال لهزة إدارية أو فنية.
ومع ذلك ظل الهلال كياناً شامخاً قادرا على التعامل مع الأزمات والأحداث.. وقادراً على تحقيق النجاحات وهو ما يؤكده تاريخه مع هذه الظروف.. والأحداث.
وهذا ما يجب أن يدركه الهلاليون الذين لازالوا يعيشون تحت كابوس كوزمين..
أذكر أنني كتبت قبل فترة مقالا تحت عنوان "الهلال وفن إدارة الأزمات".. أعتقد أنه جاء بعد
فوز الهلال بإحدى البطولات.. وقد ذكرني به أحد القراء الأعزاء.. أشرت فيه إلى قدرة الهلال.. وربما انفراده في التعامل مع الأزمات والخروج منها.. بما يملكه من رصيد معنوي وفني.. ورجالات ينبذون الذات في سبيل هذا الكيان.
وما يمر به الهلال اليوم... لا يقارن بما مر به في فترات سابقة عبر تاريخه.. لمن يقرأون هذا التاريخ ويعونه جيداً... ومع ذلك ظل شامخاً وقائماً.. يؤدي رسالته..
وهلال اليوم يملك إدارة واعية.. ولاعبين مؤهلين.. وقبل ذلك أعضاء شرف فاعلين.. ما يجعل الخروج من هذه الظروف ميسورا.. بما يحقق آمال وطموحات الهلاليين.
والله من وراء القصد