الاتجاه.. المعاكس!
كنت أتوقع أننا تجاوزنا دورة الخليج.. ليس من الناحية الفنية، ولكن على الأقل ثقافة وفكراً.. وتعاطياً.!
كنت أتوقع أننا تجاوزنا دورة الخليج أثراً.. وتأثيراً..!ّ
كنت أتوقع أننا تجاوزنا دورة الخليج.. كفعل وردة فعل.!
كنت أتوقع ذلك.. لأن دورة الخليج.. توشك أن تنتهي من عقدها الرابع.. وتدخل عامها الأربعين..!
والأربعون هي سن النضج.. ومرحلة الرشد..!
كنت أتوقع ذلك.. ودورة الخليج تتم دورتها التاسعة عشرة!
والـ19.. هي مرحلة الشباب.. والتطلع نحو آفاق المستقبل.!
كنت أتوقع ذلك..وأكثر..!
لكن دورة الخليج الأخيرة التي اختتمت قبل أيام في مسقط بسلطنة عمان الشقيقة أعادتنا للمربع الأول..-كما يقولون- وأعادتني وغيري كثير.. أكثر من عقدين من الزمن.. وعندما كانت في بداياتها قبل ذلك بمثله..! وقتها كانت دورة الخليج بالنسبة لنا تمثل منعطفا هاماً.. ونقطة تحول.. وهدفا لا تصلح أوضاعنا بدونه..!
كانت دورة الخليج آنذاك.. تبدأ لدينا بتوتر..!
وتنتهي بقرارات مصيرية..! وتصحيحية..!
وهذا مشهد ظل يتكرر مع كل دورة.. حتى ظهر في الأوساط الاجتماعية والرياضية خاصة ما يسمى بـ(ضحايا دورة الخليج).. كناية عن الأسماء التي تتساقط.. والكوادر التي تستبعد..! فمرة الجهاز الفني.. وأخرى الإداري.. وثالثة المنتخب.. ورابعة.. وخامسة.. الخ..!
تأهلنا للأولمبياد.. وفزنا بكأس آسيا.. ووصلنا لنهائيات كأس العالم.. واقتنعنا ذاتيا أن دورة الخليج بالنسبة لنا يجب ألا تتجاوز كونها بطولة شأنها شأن البطولات الأخرى.. وأننا فزنا بما هو أهم وأقوى.. فدانت لنا مرة.. وأخرى.. وثالثة..!
لكن..
يبدو أننا مازلنا نحمل إرثا ترسب في عقلنا الباطن اسمه (دورة الخليج).. أو الفوز بدورة الخليج.! وربما مع بطولات أخرى.. أيضاً..!
وكأننا وحدنا في الساحة..! ولا غيرنا.. وكأن البطولات حق لنا لا ينازعنا عليه آخر..!
فتداخلت لدينا الأفكار..
واختلطت علينا الرؤى..!
وانعكس ذلك كله على أطروحاتنا الرياضية..
ورسائلنا الإعلامية..!
وتعقدت لغة الحوار بيننا..!
ولم نعد نتقبل الرأي..!
ولا الرأي الآخر..!
نصادر.. ونقصي..!
نتهم.. ونتطاول..!
وتجاوزنا بذلك الحدود الجغرافية..
وضاقت علينا قنواتنا بما رحبت.. وانتقلنا إلى فضاءات أخرى نمارس فيها ذلك.!
وأصبح "رأينا صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب"..! في قلب صريح وواضح للمنهج السليم.. ولمقولة الإمام الشافعي ـ رحمه الله.!
لا مستوى يقنعنا.. ولا نتيجة ترضينا..!
نريد ضم اللاعب الفلاني.. وإقصاء اللاعب العلاني..! وتحديد هوية قائد المنتخب!
نتدخل في تشكيلة الفريق.. ونرسم خطط المدرب.. ونحدد له منهجه.!
وإذا خسرنا.. بدأنا نمارس التنظير عبر وسائل الإعلام.. وننتقد الأوضاع الرياضية.. وخطط البناء..! وحتى عندما نفوز! في كثير من الأحيان..!
وكانت هذه الأمور.. وهذه المواضيع. لا تبرز ولا تظهر.. أو لا تتحقق إلا في مثل هذه الظروف.!
ولا تصلح مناقشتها.. ولا يحلو الحديث عنها. إلا في هذا الوقت.!
في حين يفترض أن لكل مقام مقال..!
وإن البطولات.. والمشاركات.. ليست مجالا لمناقشة الأوضاع العامة.. والخطط المستقبلية.. وإن حسن التوقيت.. وأسلوب المناقشة.. ونوعية الطرح أدعى لقبول الرأي.. وتقبله.. حتى وإن اختلفت وجهة النظر.. أو لم تكن مقنعة!
والشارع الرياضي لم يعد يحتمل الوضع!
ولم يعد يتقبل الخسارة..!
لأننا رسمنا له منهجا يقوم على ذلك!
وهيأنا له مناخا ينمي فيه ذلك!
محللون رياضيون.. كل يغني على (ناديه)!
وينادي بلاعبيه!
أو يقصي منافسيه!
يتناقضون فيما بينهم.. ويشكلون ظاهرة صوتية!
لا ترتقي بمفهوم المتلقي..!! ولا بوعيه!
وبعضهم يتناقض مع ذاته بين ليلة.. وأخرى.. وقناة وأخرى.. وموقف وآخر..!
خسرنا دورة الخليج!
نعم.. خسرناها!
وإذا خسرنا دورة الخليج... ماذا يعني..؟!
هل هي المرة الأولى التي نخسر فيها هذه الدورة..؟!
على مدى تسع عشرة دورة لم نفز سوى بثلاث منها.!
في حين أننا فزنا بكأس آسيا مرتين.. وكنا طرفا ثابتا في النهائي على مدى عقدين! وتأهلنا لكأس العالم أربع مرات!
خسرنا.. لأننا لم نكن الأفضل.. من البطل.. لكننا كنا الأفضل من غيرنا! ولا ضير في ذلك!!
ولأن عمان كان لاحق!
هل لأنه منتخب عمان!
لا ننسى أن منتخب عمان أيضا فاز على العراق.. والإمارات والبحرين وقطر..!
وخسرنا بضربات الترجيح!
ولو أن الحكم احتسب ضربة الجزاء المستحقة لهزازي وسجلنا منها الهدف... لتغير الوضع.. واختلف التنظير عند البعض..
وأصبح منتخبنا بطلا في الصمود!
وناصر الجوهر.. بطلا في قدرته على التعامل مع قوة الفريق المقابل.. وقدرته على إجهاده.. وامتصاص قدراته!
خسرنا دورة الخليج.. ونسينا المكاسب الأخرى!
نسينا أننا اكتشفنا ذاتنا في أمور كثيرة!
وأننا كسبنا فريقا ناشئا أعددناه لمستقبل الكرة السعودية..
نسينا أن ننظر لدورة الخليج على أنها خير إعداد نفسي.. وبدني وفني لمرحلة أهم وهي تصفيات كأس العالم!
خسرنا كأس الخليج.. فلبسنا نظارة سوداء.. ودخلنا نسقاً مظلما.. لا نرى من خلاله إلا سوء التخطيط وضعف الكوادر.. وتواضع القدرات! وأصبحنا كرة بلا تاريخ.. ووطنا بلا إنجازات!
وهكذا نحن مع كل خسارة!
وأعادتنا هذه إلى كأس العالم 2002 عندما خسرنا أمام ألمانيا بثمانية أهداف.. وغيرها.. رغم أننا ندرك من نحن في كأس العالم.. فمحونا ثلاثة عقود.. من نجاحات على أصعدة أخرى.. في الألعاب الأخرى.. وفي الإعداد.. والبناء.. وتأسيس البنى التحتية!
وهكذا نحن مع كل خسارة ـ سادتي الكرام ـ!
نتحول إلى (ظواهر صوتية).. ما تلبث أن يزول أثرها بزوال المؤثر!
حتى إذا ما خسرنا مرة أخرى.. عدنا كما كنا ندور.. (كالمسبحة في يد الإمام)!
لا نحن الذين نطرح بوضوح..!
ولا المسؤول يقنع بما نقول..!
والإعلام.. بإغراءاته.. وكونه وسيلة ناجحة وسريعة لتحقيق الذات! أصبح مجالا خصبا لأولئك الباحثين عن ذلك!
والقائمون عليه ـ وللأسف ـ تحولوا إلى مدراء تسويق..! بغض النظر عن مضمون الرسالة.. ونوعية المسوقين!
واتساع قاعدة الإعلام وقنواته.. في ظل نقص الكوادر الإعلامية المؤهلة.. جعل المناخ أكثر ملاءمة لنمو العناصر غير المؤهلة.. وتواجدها فيه..!!
ناهيك عن البحث عن التسويق والإثارة التي أشرت إليها!! خاصة عندما تعاني بعض القنوات من شح مادي يعيقها عن توفير الكفاءات المؤهلة القادرة على طرح الرؤى السليمة.. فتصبح مجالا لهؤلاء الباحثين عن الذات!!
في المقابل فإن القنوات القادرة.. استفادت من هذه الإمكانات في توظيف هؤلاء كأدوات لتمرير سياسات معينة.. ووجد هؤلاء في ذلك.. مجالا لتبني رؤى مؤدلجة.. خاصة بهم تلتقي مع توجه القناة في مصب واحد.. وإن اختلف الهدف!!
واختلطت مفاهيم الحرية.. والجرأة.. والمصداقية والتطاول على الآخرين.. والنيل من الذمم.. إلخ لتنصهر في بوتقة واحدة.. مخرجة لنا هذا النوع من الطرح الإعلامي.
وقبل أن نستخدم الكي كعلاج.. ونرفع العصا في وجوه هؤلاء.. نسينا أن نتساءل.. أو علينا أن نتساءل باحثين عن السبب الذي جعلهم يصلون إلى هذه المرحلة..!!
نسينا أن تساهلنا في البداية.. وتعاملنا معه كعارض صحي طارئ!!
فلم نصف له بعض المضادات الحيوية..!!
ولم نجر له بعض العمليات الجراحية..!!
لهذا.. لا نستغرب ظهور هذه الأصوات.. وخروج البعض عن النص بعد أن وجدوا غيرهم على أمة دون حسيب!! فهم على آثارهم مهتدون وكانوا يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا!!
حتى إداريي الأندية.. ساروا على النهج ذاته لا ضمير يمنعهم.. ولا ميثاق شرف يردعهم.!!
ووصل الأمر.. إلى آخرين من خارج محيطنا.. بلغت بهم الجرأة.. لاتهام لاعبينا.. بالمنشطات.. وعدم الانضباط السلوكي ربما لغاية في نفس يعقوب.. أو لأسباب أخرى.. دون رادع من قناة.. أو من مسؤول رسمي!!
إن اتهام اللاعب.. هو اتهام لاتحاد كرة القدم وللرياضة السعودية.. قبل أن يكون اتهاما له... وهو أخطر من رؤى محلية ووطنية أخطأت الأسلوب... لكنها لم تخطئ القصد والنية!!
عفوا...
سادتي الكرام..
والكلمات تتداعى.. لا أنسى التأكيد على أنني أتحدث منطلقا من هديه صلى الله عليه وسلم.. وهو الهدي الذي يجب أن يكون ديدننا (ما بال أقوام...)
ومن هنا..
فإنني أيضا.. لابد أن أنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب..!
أولئك الصادقين مع أنفسهم..
ومع وطنهم..
المخلصين في رؤاهم... وأطروحاتهم وفي إشرافهم.. وقياداتهم..
ومع ذلك يظلون بعيدين عن المشهد الرياضي والإعلامي وعن صفوفه الأمامية التي احتلها أولئك.. أو تم منحها لهم..!
هؤلاء..
يدركون حقيقتهم.. ومكانتهم.. وصدقهم وهذا ما يغنيهم.. لأنهم واثقون من أنفسهم!!
ولأنهم لا يجيدون أسلوب الاتجاه المعاكس!
والله من وراء القصد،،