كبير خسر أو انتصر
في تاريخنا العربي القديم وبعد القديم دون المعاصر، وفي ثقافتنا الشعبية دوّن التاريخ بمداد من رفعة وفخر أن أجدادنا حينما تحدثهم بين الصراعات من أجل أمور جسام كالرغبة في العيش والصراع من أجل البقاء أو السلطة أو مغانم حمر النعم وغيرها الكثير، كانوا يعظمون بعضاً ويقدرون خصومهم ويضعونهم في مراتبهم ومواضعهم التي تليق بهم ولا يبخسونهم شيئاً من حقوقهم المعنوية، ولا يستهزئون بهم ولا يشتمون.. فالشتم إلا للضعيف البائس لا قبل النزال ولا بعده، هذا وغالب نتائج الصراع عادة موت محقق أو حياة جديدة، لكنّ هؤلاء الأجداد لم يراعوا قدرات أحفادهم الذين دخلوا صراعاً جديداً أصله للترويح والتنفيس والمتعة ووسيلته جلد منفوخ تتقاذفه الأرجل وبقية أرجاء الجسد وغالبها السفلي، ومع ذلك لا يقرون بأفضلية الفائز، فيحاولون تشويه فوزه وقوته بعد المواجهة وقبلها يكون الاستهزاء والتنابز بالألقاب والنيل من الأسماء والأشكال والألوان والذمم والأعراق حتى دخلوا مناطق خطرة ملغومة عليها محاذير شرعية وأسلاك شائكة اجتماعية وأخلاقية، فلم نعد نستعرض أن يجعل أحدنا الآخر في موقع اللعن بالطرد والإبعاد عن رحمة الله، بل أصبحنا لا نهتم بما يحدث في الملعب من أمور فنية كما في السابق التي كانت فيه النقاشات تدور حول كيف انتصر المنتصر في الملعب وكيف خسر الخاسر، بل إن جرتنا الأهواء بهواء غير نقي لتتبع عورات إخواننا حتى نكسب شيئاً وقتياً لا يقدم ولا يؤخر وهو من سقط الدنيا. هذه المقدمة أسوقها قبل لقاء "الكلاسيكو" هذا المساء والذي يجمع كبيرين من كبار كرة الوطن ولن يرفع الفائز الفوز أكثر من تقريبه من الوصول إلى المنجز ولن يخسر فيه الخاسر شيئاً من تاريخه أو مكانته ولأنني من عشاق الزعيم فإنني أقول إن فاز فريقي المفضل فقد فاز على فريق كبير وإن خسر فقد خسر من كبير، وكون ظروف العملاقين متشابهة حالياً ومنذ البداية فهما لم يستقرا فنياً ولم يقدما المأمول منهما وقد تخليا عن مركز صدارة ووصافة البطولة الأقوى لكبيرين آخرين، بل ووصل حدة التشابه أنهما سيعانيان من غيابات مؤثرة وبالذات قائديهما. الهاء الرابعة المرء يعرف في الأنام بفعله وخصائل المرء الكريم كأصله لا تستغب فتستغاب وربما من قال شيئا قيل فيه بمثله وتجنب الفحشاء لا تنطق بها ما دمت في جد الكلام وهزله