حرية الرأي
في هذا الزمان وأهله من الغرائب ما يجعل العاقل يشارف على حافة الجنون، فكثير من المسلمات المعروفة سلفاً أصبحت موضع حيرة وقلق واضطراب، فانتفت مبادئ المسامحة وفضيلة الاعتذار وشموخ الرجوع إلى الحق، ووقعت مكانها العناد والمكابرة والقوة في فرض الباطل على أنه حق بدعاوى هشة ضعيفة تسمى مجازاً "حرية الرأي" حتى بات أهل هذا الزمان أقرب درجة من "العصمة عن الخطأ" فلم نعد نسمع كلمة "آسف لقد أخطأت فعلاً"
إن ما يسمى "حرية رأي" هي في الأصل "عبودية الانقياد خلف الشبهات والمشبوهين"، وهي ذريعة ومدخل واسع لإثارة القلاقل والفتن ما ظهر منها وما بطن لأن أيّ حرية في الكون لأيّ فرد فيه تتوقف حين تتداخل مع حريات الآخرين وتتعارض معها، بل إن أيّ حرية لها "سقف" لا يمكن تجاوزه ولو أننا انسقنا خلف هؤلاء فإن المنظومة الكونية ستنهار، فالحرية لديهم بهيمية مفتوحة لا تتورع عن شيء، وليس عليها قانون يضبطها وينظم سيرها فتستباح الحرمات وتنتهك القيم والمبادئ والمثل وتحل الرذيلة بدلاً من الفضيلة حتى يختلط حابل الدنيا بنابلها فيصبح الصحيح خطأ والخطأ يقع موقع الصحيح فحريتهم لا تحترم شيئاً وليس لها قانون فهي "براحة" قذرة أو "مكب نفايات" تدخلها القاذورات وتستقر بها فتنبعث منها الروائح النتنة والكريهة فتؤذي مشاعر الآخرين ولا يهتمون وتجرع القلوب والأفئدة ويضحكون وتمس القدسيات ولا يبالون.
إن الله عزّ وجل حين خلق الكون وأنزل الرسل وأقر الأديان السماوية وختمها بالدين الإسلامي الماحي لما سواه وقبله، إنما فعل ذلك من أجل "عبادته" والعبادة كما يشرحها شيخ الإسلام بن تيمية هي "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة"، هذه هي الحرية التي نعرفها ونسير عليها وغيرها من الحريات هباء منثوراً
الهاء الرابعة
يقول الله عز وجل:
"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون, ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون"