هزمت الإيراني.. وتجاوزت القطري
الحياة تجارب وعبر، وبعيدًا عن الرياضة، أذكر قصة واقعية وليست من نسج الخيال، مررت بها ويشهد عليها بعض الزملاء الذين رافقوني في هذه المرحلة.. تتلخص في أنني عندما التحقت بجامعة تشابمان الأمريكية لدراسة الماجستير في إدارة الأعمال "MBA" في عام 2012م، صدمت في أول مادة ببروفيسور أمريكي من أصل إيراني، اسمه إيسي أديبي يدرس مادة الاقتصاد، ويرأس القسم، وله حضور في بعض القنوات التلفزيونية الأمريكية؛ فقلت له بصراحة إنني أعاني من صعوبة المادة، على اعتبار أنها مكثفة، ناهيك عن اللغة العلمية الإنجليزية؛ أملاً في أن يوجه لي نصائح تساعدني على التغلب على المتاعب التي تواجهني، ولكنه فاجأني بالقول: اذهب إلى مشرفة الطلاب، وكان اسمها ديبرا، وقل لها إنني نصحتك بالتوقف عن الدراسة فورًا، واستطرد قائلاً: "هناك طالب قطري مر بالتجربة نفسها، ثم تعثر في نصف المشوار وتكبد عناء الدراسة وتكاليف المرحلة، وفي النهاية انسحب ولم يستطع أن يواصل، وأخشى أن تقع في المشكلة نفسها؛ لأن ما ينتظرك أصعب، على اعتبار أن هناك "بريزينتيشنز" باللغة الإنجليزية، وأرقامًا ومشاريع تصعب بكثير عما تواجهه في هذه المادة.
الحقيقة أنني حملت هذه الكلمات وفكرت فيها مليًّا، واستشرت العديد من الأعزاء؛ فكان الرأي متباينًا بين تغيير التخصص وتجاوز المادة أو الانسحاب، وهناك من أشار علي بمواجهة الموقف والمضي قدمًا في تحصيلي العلمي، دون اكتراث بما قاله البروفيسور الإيراني، طبعًا كان قرارًا مصيريًّا وصعب جدًّا؛ فأحلاهم مر، ولكن في النهاية وبعد الاستخارة، قررت مواجهة الأمر وخوض التحدي مع البروفيسور الإيراني.
ومنذ ذلك اليوم بدأت في إعداد رسالة إلى البروفيسور عنونتها بـ"Guss what, I did it"، أقول له فيها: أولاً قبلت التحدي وقررت عدم الانسحاب، ومع نهاية كل فصل دراسي كنت أضيف لها سطرًا، دون أن أرسلها، ومع حلول موعد تخرجي بعد مضي نحو عامين، كانت الرسالة قد اكتملت؛ فبعثتها له بتاريخ 10 يوليو 2014م، عند الساعة 11.54 مساءً، وبعدما تيقنت من تخرجي قلت: "عندما التحقت بالجامعة صدمتني بنصيحة فاجعة لم أتوقعها، حين قلت لي انسحب فورًا ومهدت لي طريق الهزيمة، بل ضربت لي مثلاً بطالب قطري تعثر في نصف المشوار، والآن أفيدك بأنني تخرجت علمًا بأن تقدير جيد جدًّا "B"، والذي حصلت عليه في مادتك هو أقل مستوى حصلت عليه في مرحلتي الدراسية هذه كلها، وبذلك أضع بين يديك قصة ترويها لطلابك مستقبلاً عن طالب سعودي عانى في البداية، ولكنه ثابر واستطاع أن يكمل دراسته ويتخرج.
فبعث لي برسالة الرد في اليوم التالي عند الساعة 8.47 صباحًا ـ ما زلت أحتفظ بها حتى اليوم ـ قال فيها: "أشكرك على إيميلك، وأبارك لك من أعماق قلبي على تخرجك، نعم لقد عملتها، وأنا حقيقة فخور بإنجازك".
عادة لا أحب الحديث عن نفسي، ولكن الأحداث المحيطة بنا ذكرتني بهذه القصة التي أردت أن أشركها معك عزيزي القارئ، لأقول لك إن إنسان هذه البلاد الطاهرة متى ما وضع على المحك أنجز، ونحن لا شك على المحك حاليًّا، فلنا أن نتفاءل بغد أفضل تحت قيادة سلمان الحزم ومحمد العزم، وأختم بسؤال المولى ـ عز وجل ـ أن يحفظ بلادنا من كل سوء.