كار القراءة!
مثْل كثيرين غيري، أكتب عن القراءة، أحثّ عليها، أُحرِّض وأُرغِّب. مرّةً كنتُ أحدّث أصدقاء عن مانغويل، عن هذا اليهودي ابن اليهودي الذي أعتبره شيخ قبيلة القُرّاء، وصاحب رايتهم في هذا العصر!. أحدهم سكب ملاحظة رائعة في كأسي:
ـ لكن مانغويل، وأنتم يا تلامذته، تُطعمون غير الجائع!. تكتبون لمن يقرأ أصلًا!. وأشار إليّ: أنتَ مثلًا، تقرأ لمانغويل لأنك قارئ بطبيعتك، تحب القراءة حتى من غير مانغويلـ..ـك هذا!. كلام صحيح ومُعافى!.
ـ أظن أنه ما من أحد قرأ عن الكتابة، أو كتب عن القراءة، إلّا ولديه مقاصد ومنافع ذاتيّة بالأساس!.
ـ يقرأ عن الكتابة ليطمَئِنّ إلى أنه ليس وحيدًا، وأنّ هناك من يشاركه المشاعر الصغيرة، المُنَمْنَمَة، بنفس القدر من رعشة البهجة والانبساط!.
ـ ويكتب عن القراءة، ليرسل لآخرين، يدري بوجودهم لكنه لا يعرفهم، رسالة حب ومؤازرة، وليؤكد لكل منهم: لستَ وحدك!. نحن هنا، وعددنا ليس بالقليل أبدًا، وجميعنا معك، منك ولك!.
ـ يقول المثل: "ما عدوّك إلّا ابن كارك"!. كار القراءة بريء من هذه التهمة، ولعلّه "الكار" الوحيد الذي لا يكتفي بالبراءة، بل يَطْهُرُ نفسًا حدّ أنه يناقض المثل، يُنكر عليه شهادته، يركلها ركلًا!. إذْ ما مِنْ قارئ إلا ويحب بقيّة القرّاء!.
ـ إن كرهني قارئ فهو يكرهني لأنني كاتب لا لأنني قارئ!. وأنا بالمثل لا يمكنني إلا محبته كقارئ، لا يتشوّه هذا الشعور إلا حين يكون أحدنا، أو كلانا، كاتبًا، وقد لا يتشوّه أبدًا!.
ـ هذا بالرغم من أنّ كار القراءة كلّه أخذ، في حين أنّ كل كارٍ غيره عطاء!.