صور مكسيم جوركي الأدبية!
ـ هل هي الترجمة؟!، الأكيد أنني قرأت رواية الأُم لمكسيم جوركي، فلم أجدها بالعظمة التي قيل عنها!. وعجبت كيف تم اعتبارها واحدةً من أهم أعمال الأدب!. قلت في نفسي: لعلّها مثل أشعار نازك الملائكة، قيمتها تاريخية وليست فنيّة!. ولم أتمكن من إقناعي رغم هذه النميمة الإدونيسيّة!.
ـ بعد سنوات، وقعت على كتاب آخر لمكسيم جوركي، اسمه “صور أدبيّة”، ترجمه إلى العربية أحد عمالقة الكتابة المسرحية العرب “ألفريد فرج”، ولأنه لم تمر سوى أيام قليلة على قراءتي للكتاب، أتذكر جيدًا، كيف بدأتُ فتح غلافه بيد مرتعشة، وبأمنيّة خافتة من أن تكون هذه هي آخر علاقتي بجوركي!.
ـ ويا لفخامة ويا لرشاقة ويا لجمال ويا لعظمة ما لقيت!. حتمًا، سيكون “صور أدبيّة” أحد الكتب التي سأختار إنقاذها فيما لو غرقت سفينة المكتبات!. لم يسبق لي أن التقيت بكتاب مذكّرات بهذه الأُلفة والبهجة والصدق والمحبة والكرامة أيضًا!. هل أُضيف؟!، حسنًا: وبهذه القُدرة على التعليم الفنّي حيث المهارة، والتربية الأدبيّة حيث الأصالة!.
ـ غبطتُ كل من تحدّث عنهم، وتذكّرت وجوهًا كثيرةً، بعض أصحابها رحلوا، وبعضهم لا يزالون بيننا، وتمنّيت لو أنّ لي القدرة على الكتابة عنهم بهذه الروح المنصفة. تمنّيت بأنانية ما هو أكثر: أن يُكتب عنّي بمثل هذه الروح!. لقد كتب جوركي حتى عمّن لا يُحِبّ بمحبة خالصة!، وبوفاء لذاته أولًا!. كتب باستماتة أبقتهم أحياءً إلى الأبد!.
ـ كل صفحة حديقة. كل عبارة شجرة، وكل جملة غصن، وكل كلمة بذرة، ولم أُنْصِف، فقد نسيت الغيوم والأطياب والخشخشة!.
ـ كتب عن ليو تولستوي، قلت: وما الذي بقي له من الدفقات للآخرين؟!. وكتب عن زوجة تولستوي، ولم يكن جوركي يحبها، فقلت: أشتري مثل هذا اللاحب بالحب الأدبي كله!. أنصفها وخلّصها من شوائب الاتهامات التي أثبت بطلانها بحصافة محامٍ بارع وبصلابة أخ حقيقي!. وحين كتب عن كوتسوبينسكي، قلت: المسألة ليست خيالات إذن، نعم، يمكن للمحبّة أن تسيل فتغسل الأرض أربعين عامًا!. أمّا رسالته لبريشفين، فهي الرسالة ذاتها التي أود كقارئ، ومن كل قلبي، نسخها والإمضاء عليها وإرسالها له!.
ـ لغة لا تتعاجب بفصاحتها، لها عيون قادرة على التقاط أصغر وأبسط حركة أو زيّ، بذاكرة ليست مُرتّبة لكنها أبدًا ليست نسّاية، وبشفاه باسمة، وبقلب مُحب للكلمة والناس والطبيعة والحياة، وبعقل منفتح، قادر على ربط المَشَاهد بفهم عبقري، واقتناص كل ما هو خَيِّر ومُضيء بالمودّة!.