في وداع
شايع
لن أكتب بدافع وقع الفاجعة وهي فاجعة، ولا بغريزة التشبث ببقاء مَن نحبهم إلى جانبنا دائمًا، وإن كنّا فعلاً نود ألا يفارقونا إلى الأبد، لكن فقط لأقول إلى أخي "شايع" سلامًا عليك تحت الثرى طب نفسًا حيث كنت فأنت حيّ.
كأني بها اللحظة ذاتها التي يمكن لأبي محمد أن يحتضن فيها المعزين فيه بصبر وجلد، فهما عكازاه اللذان قطع بهما مشوار الحياة حتى خط النهاية، فائزًا بالعلم الطيب، وبياض الوجه، حيث لا يرى في غيرهما مطمعًا، أو هو اللقاء ذاته الذي كان يدعو إليه كلاً مَن التقاه وأينما لقاه، حيث لا طعم لشيء عنده بغيرهم، فهو الأنيس للصحبة والمستأنس بهم أنسه الله في قبره وبدد وحشته.
العمل الصحفي جمعه بكثيرين، تفاوتت الأجيال وتباينت الطباع وتمايزت الأفكار، وما ثبت هو أن "شايع" بقي وفيًّا لطباعه وأفكاره، لكن دون إنكار أن الاختلاف والتباين لا مفر منهما، وأن البحث عن المشتركات يمكن أن تجعل المركب يسير بالجميع، هذا حين كان مسؤول تحرير مكتب الرياض في هذه الصحيفة، وقبلها في صحف أخرى، وظل كذلك حين ابتعد عن العمل الصحفي، ولذا كان من الطبيعي أن يودعنا واقفًا يوم عزائه في جلد محمد وصبر فهد.
لن أحاول استرجاع أي شيء عن "شايع المسعر" حتى يمكن تقديمه للقارئ وحسب، الأمر ليس كذلك، وهذا كان سيغضبه، وليس لمثلي أن أفعل، ومع مَن لم يسعَ في حياته إلى شيء من هذا، الذي بات هم بعضهم وغايتهم، لكن ما يمكن قوله إن هم الصحافة وشغفها كان أبرز ما تمتع به جيل "شايع" من الصحفيين، وأن كل ما دار بينهم أو بسببهم وما نتج عنه من صدام وعراك لم يتجاوز إطاره، وإن تصور بعضهم غير ذلك أو صوروه أنه كذلك.
تلك فضيلة مقابل ما ذاع وشاع ممن أعقبهم أو من تحول من جيلهم إلى حال من بعدهم أيا كان سببه.
ننعى اليوم ببالغ الحزن والألم أخينا الزميل "شايع" وقبله غيره وبعده نحن وغيرنا ولا راد لقضاء الله..
أعرف أنه يحب الشعر، سأستعير له هذه الكلمات:
"وانتصر الشاعر مدت السماء كفها
رقت على المسافر الجريح
أعطته شارة التصريح
فانتفضت جراحه، واعتصرت بقية الألم
وانطلق الذبيح
كموجة عاطرة من النغم"
د. عبد العزيز المقالح.