العميان الذين فتحوا عيوننا
ـ يمكن لمثلي أن يفكّر بهذا: تخصيص رفوف في مكتبتي للعُميان الذين فتحوا عيوني على الدنيا!. أنْ تكون مكتبتي مُرتَّبة، على أي نحو، هذه مسألة من مسائل الحلم والخيال والأماني!. أفعل ذلك مرّتين أو ثلاث مرّات في السنة، غير أنه لم يسبق لهذا الترتيب أن دام لأكثر من يوم!.
ـ المعرّي سيأخذ حيّزًا، ولسوف أجعله احتفائيًّا!. ولسوف أضع ديوان الشاعر الكويتي فهد العسكر وكل ما كُتب عنه في مكان يليق ببهائه، ومن أجل ذلك سأشتري جهاز فونوغراف وأسطوانات قديمة أُزيّن بها الرّف!. ولسوف يسحب فهد العسكر معه صقر الشبيب على غير رغبة!.
ـ عباقرة الشعر من العميان، يجبرونني على إعادة النظر في حجم المساحة!. لو اكتفيت بالتقويس من بشار بن برد إلى عبدالله البردوني الذي كان يشعر بأن لكل حرف لونًا، لاحتجت غرفة واسعة كاملة، لا بأس، هو حلم!.
ـ وسيكون للعبقرية المسماة طه حسين مكان أحاول جعله قريب الشبه من مكانته في قلبي، مع نظارات مدوّرة سوداء!.
ـ كل أعمال سيّد مكّاوي تحضر، وتُزاحِم كل ما يمكن جمعه من الكتب التي تناولت تجربته الموسيقية التي أحتاج لغةً غير هذه التي عندي للحديث عن عجائب لطفها: في كل عمل لسيّد مكّاوي يسهل إيجاد حضن أُم وهزيع ليل وطُرفة لا تَبْهُت!.
ـ تذكّرتُ رواية العمى لساراماغو، عمل روائي فخم، حدود التشويق فيه تصل الأقاصي، ويحفر عميقًا في قدرة الظروف على الزعزعة وقدرة الإنسان على التماسك!. حسنًا: سأخصص جزءًا يضم كل الروايات التي تناولت العمى، ولسوف يحضر إبراهيم أصلان بروايته الصغيرة "مالك الحزين"، التي نجح داود عبدالسيّد بتحويلها إلى فيلم عبقري "الكيت كات". ونسخة من الفيلم!
ـ ولكي لا يغار أحمد زكي من محمود عبدالعزيز، سأضم إلى كتب طه حسين مسلسل "الأيام"، ونسخة أخرى من فيلم "قاهر الظلام" لمحمود ياسين. تكاثرت الأفلام، "الشموع السوداء" لنجاة الصغيرة وصالح سليم، كان أداء صالح سليم عبقريًّا إلى أنْ أبصر!، أخطأ بعد ذلك!، ظلت تعابير وجهه وحركاته وهو مبصر مثلما هي وهو أعمى، بالسُّمْك نفسه وبالسَّمَكِيّة نفسها!.
ـ ما قام به حسن حسني في فيلم "سارق الفرح" يستحق الحضور، كذلك مسرحية "وجهة نظر" لمحمد صبحي، ولسوف أتردد قليلًا في ضم فيلم "أمير الظلام" لعادل إمام، وفي الأخير سأضمّه!، ربما لأسمح لأفراد عائلتي بسرقة صغيرة من المكتبة، دون معاتبة أو غضب!.
ـ بورخيس يستحق مكانًا مُزيّنًا بخريطة الأرض وصور من مراصد فضاء!. وإكرامًا لبورخيس، الذي صار يستدل على الكتب بالّلمس، وبالرائحة يكاد ينجح في قراءتها!. سأبحث عن طريقة تجعل من هذا الركن كله مُظلمًا في نهاية المطاف!. ليس لي من زينته وصوره غير تذكّر أنني قمت بذلك في وقتٍ مضى!.