تراشق بين «عينين» في رأس المشهد الثقافي
ـ الحَسِيس بدأ، المعمعة في الطريق!.
ـ للنار، في اللغة العربية، أسماء كثيرة، الحسيس للخفيض، فإذا تماسك اللهب وارتفع وتسارع لهاثه فالمعمعة!. لكل مرحلة حالة ولكل حالة صوت، اللظى والتغيّظ والكلحبة، فإذا استرسل اللهب فالزمزمة. والمستعرة أجيج. والمهتاجة هجيج!.
ـ حفظ الألقاب واجب، أمّا التحفّظ على الأسماء فللتشويق!. يحدث هذه الأيام، تراشق بين "عينين" في رأس المشهد الثقافي السعودي!. ومن صالح الحِراك الثقافي أن تحدث الخصومات!. ما لم تحدث من تلقاء نفسها فلتُفْتَعَل!.
ـ السيد "ع" روائي معروف. الآراء حول إبداعه متفاوتة وبعيدة عن الاتفاق حولها!. غير أنه لا يمكن أبدًا إنكار أهميته!. الحكم بالإبداع شيء، والحكم بالأهمية شيء آخر!. نازك الملائكة مهمّة لكنها ليست مبدعة، شوقي بزيع مبدع لكنه ليس مهمًّا!.
ـ نرجع لحكايتنا: السيد "ع" روائي، وما لا يمكن الاختلاف عليه أو حوله يكمن في أهميّته!. وأهميته تكمن في "النموذج"!. إنه النموذج الأول لشكل وهيئة ومسيرة ونتاج الروائي السعودي!.
ـ لا أقصد أنه أول سعودي يكتب رواية، في ذلك هو مسبوق، لكن لا أحد قبله شكّل نموذجًا واستدامة!. أظن أن السيد "ع" أول من قدّم نفسه في رهان حقيقي طويل ومستمر ودائم على أنه روائي، روائي فقط!. هذه "الفقَطِيّة" ليست هيّنة أبدًا، وفيها تكمن أهمية قصوى، يكفي أنّ صاحبها آمَن بالرهان الروائي!.
ـ لذلك ربما أتفهم حساسية السيد "ع" من أي نقد، أو مَسَاس، بمظهره الأدبي، ذلك أنّه صَبّ في مظهره هذا مخْبَره كله!. ما نراه مظهرًا هو في حقيقته كينونة!.
ـ قبل أيام غرّد السيّد "ع" الناقد عن السيّد "ع" الروائي!. السيّد "ع" الناقد، هو أشهر ناقد ثقافي سعودي اليوم، اشتغل على مشروعه النقدي منذ سنين طويلة، بمرجعيّة أكاديميّة مرموقة جدًّا، وبعقليّة حرّة، منفتحة على الآخر، متمرّسة في الكتابة التي لا يحجب لطفها عمقها.
ـ كلاهما، نال جوائز وشهادات تقدير، وكلاهما حظي بتكريمات، وهما متشابهان تقريبًا في التنظيم والاستفادة من الوقت، يظهر ذلك من انتظام إصداراتهما.
ـ ال "ع" النقدية، غرّدت متهمةً الـ "ع" الروائية، بالتشتت، وبما يشبه انفلات الحبكة لعدم تمكن الأصابع الروائية من القبض على أدواتها بشكل متقن!. الـ "ع" الروائية ردّت، متهمةً الـ "ع" النقدية بالتجيير، وبما يشبه الغطرسة في محاولة صاحبها نسب قيادة المشروع الحداثي لنفسه أو الانفراد به في عملية عزل لبقية أسماء جديرة بالحضور!.
ـ ميزة في الـ "ع" النقدية، أن صاحبها فِعْل، أكثر بكثير من كونه ردّة فعل. وعيب في الـ "ع" الروائية، سهولة تحوّل صاحبها إلى ردّة فعل، بمجرّد أن يمس كاتب "محترم" ومُقَدَّر حدود شكله الروائي، شكله الذي هو كينونته!.
ـ الحِراك الثقافي جيّد، ومن أجل تكوينه لا بد من مناوشات!، وعليه فإن ما حدث، وربما سيحدث أكثر، جيّد. إنه جيّد ليس لأنه لا غبار عليه، بل لأنه يثير غبارًا!. المهم ألا يُطفئ هذا الغبار.. حسيس النار!.