2019-01-01 | 21:21 مقالات

لُعبة الشِّعر

مشاركة الخبر      

-ليصبح شاعرًا، احتاج "ماريو" ثلاثة أمور: شاعر عظيم يقتدي به، ويتعلم منه، وفتاة يعشقها، وأمّ تُمانع هذا الحب، لا تجعله مُيسّرًا، خوفًا على ابنتها من الحب ومن الحبيب ومن الشعر!.

-وصادف أنه كان شابًا، وفقيرًا، متشقق القدمين، ولا يبدو أنه يتمتع بوسامة، ممّا زاد من حظوظه الطيّبة في أن يكتب الشعر!.

-هكذا أصبح شاعرًا دون أن يكتب قصيدة واحدة!. ذلك أن هناك فرق، أو لنقل مسافة، بين أن يكون المرء شاعرًا وبين أن يكتب شعرًا!.

-لكي يكتب، احتاج مساعدة من معلِّمِه، وقد كان أكثر حظوظه ملاحةً وحُسْنًا، أنّ شاعره القدوة كان "نيرودا"، وأنه قد التقاه فعلًا، وسمع منه مباشرةً، ولم يكتف بقراءته فقط، ذلك أنه كان حتمًا سيجد فتاة يحبّها، وغالبًا سيجد عقبات ما، لكن ليس كل أحد يمكنه مصاحبة نيرودا!. فماذا علّمه نيرودا، وكيف وجّهه؟!.

-لم يقل له الأوزان والقوافي!. لم يطلب منه تعلّمهما!. الحقيقة أنه لم يطلب منه شيئًا بالمرّة، فقط نصحه بتحسس الإيقاع قدر الإمكان، وحتى هذه النصيحة لم يكن محروص عليها، جاءت من البعيد، ووقفت على مسافة بعيدة أيضًا!.

-التوجيه المدوّي كان في أن يدندن ماشيًا، وأن يجمع المجازات والاستعارات ليس إلا!.

-هكذا تعلّم "ماريو" الشعر: المَجازات والاستعارات، وظنّي أنه فيما لو لم تَقصر الممانعة وتضمحل ثم تتلاشى فيتزوّج من محبوبته، لأمكنه كتابة شعر أفضل أو أكثر!.

-رواية "ساعي بريد نيرودا" حَكَتْ ما حدث، وسواء اختلقها "سكارميتا" أم نقلها، فالنتيجة المضيئة واحدة: هذا هو الشعر، وهكذا يُكتب!.

-يمكنني التجاسر، مع الاعتذار سلفًا، وتقديم نصيحة لمحبي الروايات والشعر معًا: فيما قرأت، ثلاث روايات فاتنة تناولت الشعر بعذوبة فاتنة الإدهاش، وبرقّة آسِرة مُحرِّرَة!. وبحِسّ آخر أذكره آخر المقالة!.

-روايات هي بالنسبة لي أهم من عشرات العشرات من الكتب التي حمَلَتْ على عاتقها دراسة الشعر وتبيان مذاهبه وقوانينه ولزوميّاته!.

- " الحياة في مكان آخر" لميلان كونديرا. و " هيّا نشترِ شاعرًا" لأفونسو كروش، و "ساعي بريد نيرودا" لأنطونيو سكارميتا. والعجيب أن الروايات الثلاث تناولت الشعر بحِسّ سخريّة ودعابة!. لم تتهاون في تبيان أهميته وضرورته، بل وخطورته!، ومع ذلك تعاملت معه على أنه لُعْبَة!.