جولة بلا جوّال
ـ يوم لم تكن لدينا "جوّالات"، كانت لدينا "جَوْلات"!. و كم كانت هذه الجولات رائعة وسمحة وطبيعيّة، تسرّ الناظر والخاطر!.
ـ ما أن دخلت الجوّالات حتى فقدنا جزءًا كبيرًا من هذا المرح العفوي الطفولي البريء!. لم نعد قادرين على رؤية الأشياء إلا مُفلترة!.
ـ لم نعد قادرين على رؤية المنظر إلا بتخمينات إعجاب الآخر فيه!. ذلك الآخر الذي سنرسل له الصورة!.
ـ بناءً على مثل هذا الهدم صارت الصورة أهم من الأصل!. ومع إغراءات الفلاتر، صارت صورة الصورة أهم من الصورة!.
ـ لا أُنكر ما لمشاركة الآخرين من فرح، ولا أشكّك في طيب النوايا أبدًا، ولستُ ضد التصوير. فقط أحاول التنبيه إلى ضرورة أن نستعيد ذواتنا، وأن نؤمن بأحقيتنا في مباهج خاصة غير قابلة للتداول وأخذ الآراء!.
ـ هناك من يعيش داخل "جوّاله"!، يسافر لأجله، ويختار المقهى أو المطعم المناسب بناء على رؤية كاميرا جوّاله للأمر وليس بناءً على رؤيته هو!. هناك من يُلبس أولاده ملابس معيّنة ويجبرهم على أوضاع محددة، فقط لتظهر الصورة كما يشتهي جوّاله، وبالطريقة التي يظن أنها جالبة لمتابعين أكثر!. هناك.. وهناك!
ـ لا أُبرئ نفسي، لكنني أحاول أن أتعلّم. قبل مدّة، دخلت وأسرتي في غابة، غابة سياحيّة آمنة، لكننا وقبل أن نبدأ الرحلة، قالت ابنتي: نذهب بشرط عدم التصوير!. هزّتني الجملة من الأعماق، أعادتني إلى أوّلي وأجملي!، فهمت ووافقت على الفور، وكانت حقيقةً واحدة من أجمل الجولات وأكثرها مرحًا وفرحًا!.
ـ الحقيقة، أن الفرح كان مُضاعفًا: نوف كَبُرَتْ، وصارت صديقتي، أنا الذي كنت قبل سنوات قليلة، أحملها بين يدي وأغنّي:
"يا نوف لو تكبرين بساع... محتاج لي صاحب اشكي له"!.
اللهم لك الحمد والشكر والفضل والمنّة