أخرجوا كرة القدم من أرشيفكم
هل تغيرت كرة القدم؟ من حيث الأداء الجماعي والخططي وبالتالي الشكل النهائي لها، نعم تغيرت، لكنها بقيت في احتياجها للموهبة والمهارة الفردية.
بعضهم لا يريد أن يعترف بأن كل شيء يتطور، ليس بالضرورة كما نحب أن نراه عليه، لكن هذا سيكون طبيعيًّا عند الأجيال التالية، ومن ذلك ينشأ تباين في التقييم، أحيانًا واسع وغير مقنع، يدخل في خانة صراع الأجيال، أكثر منه اختلاف في الذائقة، أو الفهم.
الذين عاشوا الخمسينيات والستينيات، لا يمكن لهم تصور كرة قدم دون مهارات، جارينشا وبوشكاش وبيليه وجورج بست، وهكذا أسماء لنجوم عقود تتوالى، بكنباور وكيغن وزوف وسقراط، إلى مارادونا وزيدان ورونالدو، ثم ميسي وكريستيانو رونالدو، وفي الطريق محمد صلاح ونيمار، هذه أمثلة وغيرهم كثير.
المتتبع بحيادية للمحطات الزمنية الكروية، يلحظ أن شكل الأداء يتغير كل عقدين، وهو يبتعد شيئًا فشيئًا عن الاعتماد على الفرد إلى الجماعية، لكن مرتكزًا على القيمة المهارية والذهنية للفرد، بحيث لم يعد من الممكن إشراك اللاعبين من أنصاف المواهب، أو الذين ينقصهم الحضور الذهني، والتكامل اللياقي البدني، وهو ما كان جائزًا في الماضي.
المسافة التي يركضها اللاعب في المباراة، زادت إلى 13 كيلومترًا كما فعلها الألماني توني كروس نجم ريال مدريد أمام سان جيرمان، والتكنيك جودته لم تعد ترفًا بل ضرورة، والاستيعاب الخططي والتنفيذ الحرفي، بات من مقومات بناء اللاعب، ومفتاح تعاطيه مع المدير الفني.
هذا صور لبعضهم أن اللاعب لم يعد كما كان سابقًا ماهرًا، وقويًّا ومبتكرًا، دخوله في الأداء الجماعي والعمل لمصلحة تحقيق الهدف، قلل من التفاعل الجماهيري معه، إلا في ومضات لا تبقى في الذهن كثيرًا، من ذلك أصبحت أسماء الأندية والمنتخبات تتقدم على اللاعبين.
كثرة الأسماء البارزة في كرة القدم في العالم خلال العقود الماضية، هو نتيجة أن أسلوب اللعب يسمح للاعب أن يحتفظ بالكرة، بقدر ما تمكنه مهارته، وقوته، ولياقته البدنية، من ذلك تتحقق له فرصة البقاء في الأذهان، بما يفوق قيمته الفنية، حتى في الفترة الحاليّة هناك نجوم يمكنهم فعل ذلك، لكن خطط وطرق اللعب وتعليمات المديرين الفنيين لا تسمح إلا في حدود ضيقة.
شواهد كثيرة تثبت تغير كرة القدم، فقط يمكن مشاهدة مباراتين لفريق واحد، يفصل بين زمنهما عقدان، أسباب أكثر لإنكار بعضهم ذلك، منها أنهم لا يريدون أن يغادروا أرشيف ذكرياتهم المليء بصورهم مع النجوم الذين أحبوهم.