الحنين لأيام الشميسي
في حيِّنا الصغير شبه الجزيرة حيث يقع بين الشميسي الجديد من شماله والقديم من جنوبه وشارع التمر من الغرب، تتسلل لنا أنوار رمضان وأطايبه مفعمة بالطمأنينة، يصل لنا صوت المؤذن ابن ماجد عبر جسر من الروحانية يحمله من قلب الرياض الخالية من الضجيج، الممتلئة بالحياة في آن واحد.
مع أول تكبيرة تتبعه طلقة مدفع، يبدأ ليل رمضان الذي لا يشبهه ليل، وعلى سفرة الطعام ما ليس لنا به عهد في غيره من الأشهر، الحنين لتلك الليالي وللشميسي لم يزل ساكنًا في من عايش تفاصيله وعاش تسابيحه وتواشيحه، وتمرد على طرقاته الضيقة الصغيرة إلى طلعة الشميسي ليسبح في النافورة، أو شمالاً لتناول عصير برتقال وساندويتش بيض مقلي من عصارة أبولو 11، أو جازف في رحلة مع خط البلدة للبطحاء حيث المجهول.
من منتصف الستينيات الميلادية حتى نهاية السبعينيات هو ما يمكن القول إن الرياض اليوم بنت عليه نهضتها العمرانية، وتطورها الاجتماعي، وشكلت أحياءها الأساس الرحم الذي خرج منه "الرياض العملاق" المتمدد في كل اتجاه حيث لا نهاية، واستندت أجيال اليوم على تربية وتعليم تلكم الأجيال التي بدأت مواصلاتها سيرًا خلف "الدنانه" لأجل التسلية، وركضًا وراء أي سيارة في كل سكة ليتعلق بها من باب الشيطنة.
عرض السكة الذي لا يتجاوز في بعضها الخمسة يتيح مد حبل يربط بمسمارين من طرفيه لتتحول إلى ملعب للكرة الطائرة، لا أحد من الجيران سيعترض فالكل مستيقظ والإضاءة قد يمكن مدها من أحد الطبلونات، أما بعد الفجر حتى ارتفاع درجة حرارة الشمس فهي الفترة الثانية التي دخلت على برنامج عيال الحارة وضيوف الشرف من غيرها.
دوري رمضان قديم عهد عرفته الملاعب الترابية أقيم عصرًا وفجرًا ثم ليلاً ولم يتجاوز ألعابًا أربعة: القدم والطائرة والسلة وتنس الطاولة، توزع ذلك في الأحياء والأندية "الشباب والنصر والهلال واليمامة"، وكان ملعب كلية التجارة في أقصى عايشه مسرحًا لتحديات كروية، تبدأ بالقفز من على سُوَر الكلية للوصول لملعبها الإسمنتي، ولا تنتهي حيث يتوزع المشاركون فيها على أكثر من حي يتحدثون عن ما صار ويتوعدون بما سيصير.
لست من الذين يحبون عقد المقارنات، ولا اجترار الماضي لانتقاد الحاضر في بعض ما فقد فيه من جميل، لأن لكل مرحلة ظرفها، لكن لا بد من التأكيد أن الذين يتحسرون على ما يرونه كان حسنًا وجميلاً، إنما هم في الواقع يحنون لسنين مضت ليس ليعود ما فيها لكن ليعودوا هم بنفس تلك الأعمار مع أنه مستحيل.. أطال الله أعمار الجميع على الطاعة والصحة.