2020-06-22 | 23:13 مقالات

صحافة عثمان

مشاركة الخبر      

حينما قَدِم عثمان العمير من المدينة المنوّرة إلى الرياض أواخر السبعينيات الميلادية، قصِد القسم الرياضي في صحيفة الجزيرة بعد أن جذبته العاصمة بِنُخبها وأمرائها ومجالس قصورها. كان المولود في الزلفي عام 1950م مصقولاً بمرحلة الكتاتيب فيها وبدروس الدين في المسجد النبوي. كان الشاب في ذلك الوقت مُتشكّلاً بأكثر من طين وكانت عجينته خليطاً من نجد والحجاز، فصار التجاذب لشخصيته بين انفتاح وتديّن بين ألواح وورق مصقول بين جماعة قرآن وأحاديث سمر بين صوت المطابع في الناصرية وطَرق الحديد في دكاكين المهاجرين والأنصار. كان العمير رجل علاقات في مرحلته الجديدة. كان يتنقّل من قصر إلى قصر ومن مجموعة طلاب إلى أخرى ومن ندماء إلى أدباء ومن باعة إلى مشترين. كان أكبر كل الصغار من أقرانه الجُدد وكان أكثرهم معرفة بصحافة الكويت وشعراء العراق، فمارس البرجوازية عليهم ودلف الأبواب كلها من باب واحد. كان قد ترك الجامعة الذي كان مجيئه للرياض من أجلها فرأى فيه المنتظمون مُتمرداً فأحب فكرة الاستاذية ولبس لبوسها. كان التطاحن على العمل في نادي الهلال شديداً وأيقن الجميع أنه طريقهم لعالم القصور والترقّي واختصار المسافات. تسابق على الانتساب إلى النادي الأزرق تركي السديري ويوسف الكويليت من صحيفة الرياض ولاحقاً محمد رمضان، ثم محمد التونسي وغيره من الجزيرة. نهاراً متأخراً في النادي وليلاً متقدماً في الأقسام الرياضية وفي الهزيع الأخير من الليل ينثر عثمان عناوينه الزرقاء عليهم فتصيبهم النشوة ويتراقصون. والحقيقة أن كل عنوان كتبه عثمان العمير للهلال لم يكن سوى حروف إقصاء ولغة لم تكن لترتقي لمستوى البناء والتأثير. لقد وقع العمير ومن تبعه من الكتبة الزرق تحت زحف المد الجماهيري لنادي النصر، ولم يكن أمام تلميذ الكتاتيب ومن سار خلفه إلا الجنوح إلى الرفض وتوظيف ما بين أيديهم من ورق إلى أسطرِ تعالٍ وكراهية. واليوم، وعثمان يتبرأ من ذلك الزمن عبر تغريدة أبدى فيها عدم رغبته في العودة إلى معاركه القديمة وإلى صحافة الرياضة بأكملها، إلا أن من كان يقرأ كل ما كُتب في ذلك الوقت من الجماعة الزرقاء لا يزال يرى في "صحافة عثمان" نموذجاً يُحتذى رغم ثبوت هُزالها وموتها في الطرقات بين "الناصرية" و"الملز". لقد انتهى زمن الولاء للهلال بإظهار العداء للنصر وتوظيف الصفحات والمنابر لذلك، لأن كل عناوين الإلغاء لم تمح الأصفر وبقي النصراوي أكثر تقدّماً من لغة الألواح.