عين
الجوع
الشمس لا تغرب قبل أوانها، ولا يمكن لنجم أن يحلّ محل القمر.. الرياح تتنوّع حركتها من الجهات الأربع، والماء يتكوّن تيّاراً من مجردّ نقطة. التنوّع سمة الكون. لا ليل واحدًا ولا سماء صافية دائماً. وحين يبدأ الظلام في بقعة من الأرض يكون النور قد انطلق في حدود ثانية. حينما تجري المياه في مجرى يكون هناك ثانٍ متجمّد وثالث يعاني العطش.. حينما تبتسم الأزهار في تُربة تكون أخرى مُغطاة بالشوك. من الذي يريد أن يُسيّر الأمور وفق رغبته؟ لا أحد.
عادةً، يبدأ ترفيه الناس في السعودية قبل الغروب.. الموسيقى تنطلق من المقاهي، الفاتنات يلتحفن باللون، والرجال يحاولون ملاحقة الزمن.. المزيج يبدو جذّاباً والتركيبة مُدهشة حتّى إن كانت فروقات.. الصغار يبدون وكما لو أن الدُنيا لا تسعهم، والكبار يكتفون بالفرجة وأحياناً المُشاركة على خجل.. الإيقاع يبدو راقصاً والأجساد تفرح بالتمايل. المشروبات الساخنة والباردة تدور على المناضد.. والمقاعد. الخليط من المذاق بات يسمح بتذوّق الإيطالي والفرنسي والأمريكي.. البُنّ سيّد المكان، والمسمّيات متعدّدة، ومكعبات السكر تتقاطر من الشفاه وتتلقّفها أعين المارّة من أصدقاء الشارع.. المشاهدون لكل الصور من عين الجوع.
في الساعة التاسعة مساءً، في الغالب، نتوّحد كجيش وفق كل كتيبة.. الميول لهذا والصراخ على ذاك. تنطلق كُرة القدم فتصمت أغنية المقهى ويعلو الصوت.. النشاط يدب في كل الأجساد.. الأيادي ترتفع والألسن تطول.. ونغدو أسرى الهتاف. في النهاية، لا أحد يموت من هزيمة فريقه ولا معالم تتغير ولا غضب يطول. تعود الناس إلى بيوتها، وهناك تبدأ ليلة أخرى. الجميع يكون أسيراً.. الفرض هو الفعل الغالب. ذهبت ساعات القفز والضحك ومناكفة الأقران، وأتت لحظة التجاذب بلغة صمّاء.. وكأنه مكتوب علينا أن نتسمّر أمام التلفاز لنشاهد ساعات بث “شلّة” الفضاء.. صحيح أنه هناك من يفهم وتجاوز الكلام الواحد والوجوه الواحدة والخط المستقيم وأصبح لا تحدّه منصّة ويتنقّل بين “يوتيوب” وهو بمقدوره أن يعبّر.. أو “تويتر” ويطرح رأياً ويحظى بشعبية.. أو “سناب شات” ويُخاطب من يُريد.. لكنّ المشكلة في من لا يفهم، ويظن أن الشاشة له، وحكر على من يرغب بظهوره، ويحدد الخط الواجب اتباعه والمنفعة المتحققة من كل ذلك.. ليته يعي جيداً ما يحدث، ويؤمن بأن لا صوت ينوب عن صوت، ولا وجه يجبر الواعي على مراقبة ملامح وجه يتلقّى حدود التعبير عبر رسائل الهاتف المتنقّل.. ما أجمل المقهى.