الكوبرا..
التي قتلت المنافسين بلدغاتها.. وقتلها قرار!!
أما قبل..
لولا خلافٌ، نشب بينه وبين إدارة ناديه النصر، أدى إلى اتخاذ رئيس النادي الرمز النصراوي الأمير عبد الرحمن بن سعود ـ يرحمه الله ـ قرارًا بإيقافه، لكان أحد نجوم مونديال كأس العالم 1994م.
فقد رفع الإيقاف عنه بعد مضي نصف موسم ذاك العام، وتم ضمُّه للمنتخب، وشارك في التصفيات، لكن عدم جاهزيته من أول الموسم، إضافة إلى بروز نجمي خالد مسعد وسعيد العويران، قلَّلا من حظوظ ضمه إلى القائمة النهائية.
أما بعد..
كتب الله له رزقه بين قدميه السمراوين الغارقتين في غبار الملاعب الترابية. رسم بهما خطوات مستقبله الكروي، قبل أن يدرك كيفية تلوينهما زاهيتين على عشب الملاعب الرسمية، تنزعان الآهات، وتسرّان الناظرين.
يد عاشقة غليظة حول معصمه الصغير، تقوده بثقة في ممرات نادي النصر. من الواضح أن صاحبها يعرف إلى أين يمضي به.
كان في الـ 13 من عمره عام 1979م عندما تركت تلك القبضة معصمه، هو الآن وجهًا لوجه أمام إداري ومدرب فريق البراعم. لم يكن الاثنان مطمئنين لاختيار هذا الكشاف. كيف لجسد نحيل متوسط الطول لهذا الفتى، أن يفعل شيئًا! نحن في زمن كانت لغة الالتحامات البدنية في الكرة هي السائدة.
الموهبة الفطرية، التي وهبها الله له، سرعان ما غيَّرت القناعات به وحول إمكاناته. شارك في التمارين والمباريات الودية مروّضًا الكرة بين قدميه، وسرعان ما تم تحويله بعد قرابة السنة من البراعم إلى الناشئين عام 1980م إعجابًا بأدائه.
هل تباطأت خطواته نحو المستقبل كرويًا؟
كلا، بل زادت أسرع وأكبر. لقد استدعاه بعد ذلك التاريخ بعامين إلى الفريق الكروي بنادي النصر. وسط مهيب من كبار نجوم الصف الأول بالفريق، يتقدمهم ماجد عبد الله، ويوسف خميس وهاشم سرور، الذين بادروه بالتشجيع والدعم، فرد لهم التحية بأداء لافت للاعب في سنه.
عام 1984م فُتحت له أوسع الأبواب ليدخل منه إلى الأضواء والنجومية، عندما رصدت عين الخبير ذي الشنب الشهير والابتسامة الماكرة، وهو يمضغ “علكة” في فمه.
ذلك هو أشهر مدربي المنتخب السعودي خليل الزياني، الذي لمعت في رأسه فكرة ما، حين شاهده يراقص المنافسين بالكرة.
أيقن الزياني حينها، وهو يستعد للذهاب بالمنتخب الوطني الأول إلى التصفيات المؤهلة إلى أولمبياد لوس أنجليس، أن في “جرابه” التدريبي سرًّا خطيرًا لابن الـ 17 عامًا.
هناك أكد محيسن الجمعان جدارته بفرصة مدربه، عبر فرد جناحي موهبته، محلقًا بتسجيل خمسة أهداف في أول ظهور دولي له، مسهمًا بها في تأهل المنتخب السعودي للمرة الأولى إلى الأولمبياد، كما حصل على لقب أفضل لاعبي التصفيات. وأطلقت عليه الصحافة بعدها، لقبه الذي لازمه “الكوبرا” تشبيهًا بسرعتها في لدغ الشباك.
نهائيات أمم آسيا تطرق الأبواب في سنغافورة 1984م. الزياني ما كاد يبدأ المواجهات إلا وتقمص دور الحاوي الذي أخرج “الكوبرا” من جرابه للمنافسين والمتفرجين.
ما كادت الصدمة تنتهي وإلا العرض السعودي البطولي كان قد انتهى بتحقيق الصقور الخضر أول منجز قاري، لا يزال التاريخ يحفظ التقدير لأبطاله، الذين كسروا طقم الصين كله بقيادة ماجد عبد الله ورفاقه، وفي مقدمتهم محيسن إلى اليوم.
لقد صاح المعلق الكويتي الشهير مصدومًا:
محيسن “الجيعان” وليس محيسن الجمعان، في اللحظة التي لدغ فيها الكوبرا شباك الكويت في الدقيقة “90” بهدف الفوز آسيويًا في البطولة ذاتها. لقد فك العقدة.
مرة أخرى عام 1988م كرر محيسن الجمعان مع رفاقه المساهمة في حصد المنجر القاري للمرة الثانية على التوالي، ثنائية آسيوية تاريخية، ثم توالت على مدى 20 عامًا أرقام عداد البطولات مع المنتخب ونادي النصر إلى 11، متطابقًا مع رقمه الشهير خلال أكثر من 400 مباراة، وأكثر من 200 هدف، بقميصي الوطن وناديه حتى اعتزاله الكرة، عندما دخل مع الرمز النصراوي عبد الرحمن بن سعود لقاعة المؤتمرات بالنادي يدًا بيد لإعلان النهاية رسميًا ذات يوم من أيام عام 2000م.