2024-01-31 | 00:39 قصص رياضية

مانشيني هرب.. لم يكن البحر هادئا

الرياض ـ الرياضية
مشاركة الخبر      

بعيدًا عن هندامه المرتَّب، وهيئته الأنيقة، بدأ الإيطالي مانشيني بطولة آسيا في الدوحة القطرية بشيءٍ من الصخب والخروج عن المألوف..
بدأها بصداماتٍ حادةٍ مع أسماء، استبعدها من القائمة المشاركة في المناسبة القارية الكبيرة.. فكانت حكايةٌ من لا حكايةٍ له..
كلامه ذاك كان شرارةً، أشعلت ساحةً شاسعةً من المناكفات الرياضية بين أطرافٍ، تناصر أنديةً، ينتمي إليها أولئك اللاعبين..
قال كلامًا صاخبًا، ثم دخل البطولة الصعبة باحثًا عن انتصاراتٍ، تحتاج إلى هدوءٍ وتعقُّلٍ..
فاز وفاز، وتعادل، وصعد بالأخضر إلى الأدوار الإقصائية، ووجد نفسه في وجه الكوري الجنوبي المتسلِّح بقائمة محترفين في أنديةٍ أوروبيةٍ، وأحد أقوى المرشحين لنيل اللقب الغائب عن سول منذ أكثر من 70 عامًا.. كان مانشيني على بُعد دقيقةٍ واحدةٍ فقط من تجاوز المنتخب الكوري لولا رأسية خاطفة بعد ضغطٍ هائل، عدَّل بها المهاجم الكوري الجنوبي تشو كيو سيونج النتيجة، لتنتقل المواجهة إلى الأوقات الإضافية..
كانت المباراة سجالًا في الشوطين القصيرين، مع تفوُّق نسبي للكوريين، ثم أطلق الحكم الأوزبكي إلجيز تاتاشيف صافرة النهائية، لتذهب المباراة إلى ركلات الحظ..
سجَّل الأخضر ركلتين، ومثله فعل الكوريون.. أهدر سامي النجعي، وسجل الكوري، فتقدَّم الأحمر 3ـ2، ثم أهدر غريب، وأصبحت الأمور تقترب كثيرًا من خسارةٍ صريحةٍ.. لكن الأمل لا يزال حيًّا يرزق.. كان هناك أملٌ بسيطٌ وضعيفٌ وقليلٌ.. كان الأملُ أقل بكثيرٍ من أن يتعلَّق به الباحثون عن النجاة..
هناك في جهةٍ أخرى من الملعب، ذهبت الكاميرا لتلاحق مانشيني.. لم يكن وقتها غاضبًا أو يائسًا.. كان مودّعًا وتاركًا لاعبيه يواجهون مصيرهم في لحظة الخسارة القاسية.. خرج من الملعب قبل النهاية في مشهدٍ لا يتكرَّر كثيرًا في عوالم كرة القدم..
فالمدربون الكبار وحتى الصغار، يقتحمون أرض الملعب بعد المباريات، ويهنئون لاعبيهم بالفوز، أو يواسونهم بعد الخسارة.. هذه طقوسٌ اعتياديةٌ من أساسيات اللعبة.
مانشيني لم يفعل هذه، أو تلك، وإنما فضَّل المغادرة، وكأنه يصوِّر فيلمًا رومانسيًّا، يودِّع فيه العاشق حبيبته في اللقطة الأخيرة..
حينما جلس مانشيني أمام الصحافيين، وحينما سألوه لماذا خرجت قبل النهاية، قال: «أعتذر عن ذلك.. اعتقدت أنها انتهت.. ليس عدم احترامٍ لأحدٍ.. لم أتعمَّد ذلك.. أشكر اللاعبين على ما بذلوه».
كان هناك صحافي آسيوي، يجلس بهدوءٍ في أقصى القاعة، ويستمع إلى كلام مانشيني، أراد أن يقول له قبل نهاية مؤتمره الأخير في البطولة ما قاله الكاتب اللاتيني بابيلوس سيرس: «أي شخصٍ يمتلك القدرة على القيادة عندما يكون البحر هادئًا»..
أثار مشهد مانشيني وخروجه أمواجًا عاتيةً.. كلامٌ مزدحمٌ بالملامة والخذلان على جنبات كل منصَّات الـ «سوشال ميديا»..
إعلاميون وصحافيون ومشجعون قالوا كلامًا متوترًا ومشحونًا في ليلة الخسارة الموجعة، وكان منظر مانشيني هو وحده الدائرة التي تدور حولها الدوائر..
كلامٌ كثيرٌ، كان يمكن اختصاره بما قاله بابيلوس.. فالبحر لم يكن هادئًا بما يكفي.. والقيادة ليست بحاجةٍ إلى أناقةٍ ولباقةٍ.. بحاجةٍ إلى بحارٍ بلا أمواجٍ.. وهذا ما لم يجده مانشيني.. ولهذا خسر وهرب..!!