2024-08-12 | 16:58 قصص رياضية

باريس الشعراء.. خيبة الرياضيين

الرياض ـ إبراهيم الأنصاري
مشاركة الخبر      

قلما يخلو ديوان أي شاعر، أو الأعمال الكاملة لأي أديب، من غزل ولهفة وولع بغرام باريس العاصمة الفرنسية، التي لم يجد فيها الرياضيون خلال الأولمبياد ما قصده الشعراء في أبياتهم، ولا ما كتبه الأدباء في نصوصهم الحافلة بالسطور المغرمة حد الوله في عاصمة الأنوار.
مدينة النور، وعاصمة الموضة والجمال، وأيضًا مدينة الحب، كلها ألقاب تطلق على باريس، التي سحرت العالم بتاريخها العريق وفنونها الفريدة في العالم بأسره على مدار العصور، وتغنى بجمالها ورقي حضارتها المغنون والشعراء والأدباء.
وصفها طه حسين، عميد الأدب العربي، بمدينة «الجن والملائكة»، لما لها من سحر خاص يسيطر على من يزورها، لتصبح العودة إليها حلمًا يراود كل من قصدها، وهي عاصمة الفن والجمال والمتاحف، التي تغنى بها أمير الشعراء أحمد شوقي في عدة قصائد، وأرّخ لها كبار الروائيين العالميين في أحداث رواياتهم الكبرى، التي وقعت أحداثها وسط شوارعها المتعرجة، ومبانيها الحجرية الكلاسيكية، وأحيائها الضيقة، وعمارتها القوطية.
في عام 2017 منحت اللجنة الأولمبية الدولية حق استضافة أولمبياد 2024 الصيفي إلى باريس، ما جعل الرياضيين في مختلف الألعاب يطمحون إلى حصد بطاقة التأهل إلى الدورة التي تستضيفها المدينة الساحرة، والأيام الجميلة الموعودون بسحرها في القرية الأولمبية، التي عادت ما تكون ممتعة في جميع المدن المستضيفة، فكيف الحال ومدينة الحب المستضيفة؟
مضت الأعوام وحضر الرياضيون إلى المدينة، التي تشوقوا لرؤية سحرها وجمالها في إدارة الحدث الرياضي الأضخم، الذي تنبؤوا بجماله قبل أن يبدأ، ترافقهم قصائد الشعراء، ونصوص الأدباء من شتى اللغات والبلدان، الذين أشبعوها إطراء ومديحًا.
لم تمض الأيام الأولى على وصول الرياضيين إلى المدينة الساحرة وانطلاق الدورة الأولمبية حتى بدأت الأخبار تخرج عن الحالة المأساوية، التي تمر بها القرية الرياضية الأولمبية المخصصة للرياضيين، التي لم يستطع الفرنسيون إخفاءها أو نفيها عن مدينتهم الساحرة، التي لا يستطيعون سماع أي كلمات عنها سوى الإطراء والمديح والتغزل.
على الرغم من الوعود، التي أطلقتها فرنسا، بتقديم أشهى الأطعمة، التي تشتهر بها في القرية الأولمبية، إلا أن وعودهم ذهبت أدراج الرياح، بعد أن أبدى العديد من الرياضيين عدم رضاهم عن جودة الطعام، ولم يتوقف الأمر عند جودة الطعام، بل تعداه إلى الأسرّة، ونظام التكييف، وصعوبات المواصلات، ومختلف المشكلات، التي عانت من الفرق الرياضية، التي اضطر بعضها إلى مغادرة القرية والتوجه إلى الفنادق التجارية، لتعويض نقص الخدمات داخل القرية.
وادعى السباح البريطاني آدم بياتي أن الرياضيين المشاركين في أولمبياد باريس 2024 وجدوا ديدانًا في طعامهم، وانتقد سوء تقديم الطعام في القرية الأولمبية.
وذكرت وكالة الأنباء البريطانية «بي.أيه.ميديا» أن بياتي، الفائز بست ميداليات أولمبية، اشتكى بشأن كمية وجودة الطعام المقدم، حيث قال إن هذا سيؤثر على أداء الرياضيين.
وقال بياتي لصحيفة «أي»، الثلاثاء: «الطعام ليس جيدًا بما يكفي للمستوى الذي يجعل الرياضيين يؤدون. نحن بحاجة لتقديم أفضل ما في وسعنا».
وأضاف: «في طوكيو الطعام كان مذهلًا. في ريو كان مذهلًا. ولكن هذه المرة؟ لا يوجد خيارات كافية من البروتين، طوابير طويلة، تنتظر 30 دقيقة للطعام، لأنه لا يوجد نظام للصفوف».
بينما أكدت الأمريكية كوكو جوف، نجمة التنس، أن فريقها انتقل إلى فندق بسبب تدني مستوى المعيشة في القرية الأولمبية.
ونشرت جوف فيديو عبر منصة «تيك توك» يظهر المرافق غير الكافية، بما في ذلك الحمامات المشتركة والأسرة الكرتونية، في القرية التي بلغت تكلفة تشييدها مليار و600 مليون دولار.
وبحسب صحيفة «تريبيون» البريطانية، الثلاثاء، فقد اضطر لاعب الجمباز الأمريكي فريدريك ريتشارد إلى شحن مرتبته الخاصة إلى باريس.
وحمَّلت السباحة الأسترالية أريارن تيتموس، التي سعت إلى تسجيل زمن قياسي عالمي في سباق 400 متر سباحة حرة للسيدات، الأجواء في القرية الأولمبية المسؤولية عن أدائها.
وقالت تيتموس: «العيش في القرية الأولمبية يجعل من الصعب تقديم الأداء المناسب».
ويضطر اللاعبون إلى استخدام وسائل النقل العامة للوصول إلى أماكن المنافسات، ما يزيد من الضغط عليهم، واضطر ستة سباحين من كوريا الجنوبية للذهاب إلى فندق بالقرب من مقر المنافسات لتفادي التنقل لفترات طويلة والطقس الحار.
وتحدث تشونج تشانج هوون، رئيس اتحاد كوريا الجنوبية للسباحة، عن افتقاد الحافلات لمكيفات الهواء، ما يجعل الأمر مرهقًا للرياضيين.
خيبت عاصمة النور تطلعات الرياضيين، ولم يجدوا فيها ما يتغنى به المثقفون، وربما أن داء الشيخوخة، الذي يصيب البشر، بات ينتقل إلى المدن، التي شاخت بفعل الزمان، وكثرة الأحداث، إلا أن سحرها باقٍ في أعين عشاقها المثقفين المولعين بغرامها، وإن غضب الرياضيون.