بلان.. سبق جوارديولا ورفض طلب فيرجسون
هل تتذكر صيف 2008؟ تلك الفترة التي شهدت نقلة نوعية في عالم التدريب بكرة القدم، حين راهنت إدارة برشلونة بقيادة جوان لابورتا على الفيلسوف الشاب حينها بيب جوارديولا، من أجل توليه منصب المدرب الفني لنادي برشلونة خلفًا للهولندي فرانك ريكارد، بتوصية مباشرة من العراب الكبير يوهان كرويف، أحد أساتذة الكرة الشاملة، وأيقونة البارسا لاعبًا ومدربًا في زمن سابق.
يتحدث الكثيرون عن تلك الحقبة ليؤكد خبراء كرة القدم أنها قسمت عالم التدريب إلى شقين، الأول ما قبل بيب، والثاني ما بعده، بسبب الثورة التكتيكية التي أدخلها المدرب الإسباني الشاب مع فريق برشلونة التاريخي، من 2008 وحتى 2012، التي عرفت حينها إعلاميًا وجماهيريًا بفترة «التيكي تاكا»، في إشارة إلى الكرة السريعة واللعب من لمسة واحدة، والمجموعة التي جمعت بين الأداء والفوز في آنٍ واحد.
كل هذه المعطيات تبدو صحيحة بلغة الأرقام وحتى المنطق، لكن هناك فقط أمر واحد خاطئ، ألا وهو الحديث عن أن بيب جوارديولا كان أول مدرب شاب يحصل على فرصة ذهبية نحو عالم التدريب في سن صغيرة، لأن هناك اسم آخر سبقه في هذا المجال، وحقق نجاحًا كبيرًا أيضًا، وفاز بالبطولات بشكل مفاجئ وغير متوقع، إنه الفرنسي لوران بلان، المدرب الذي ولد كبيرًا مع فريق بوردو في بلاده، والرجل الذي يقود الاتحاد حاليًا في دوري روشن السعودي للمحترفين، وتوج أخيرًا بجائزة أفضل مدرب في شهر أكتوبر عن الجولات من السادسة حتى التاسعة في دوري «روشن»، حسبما ذكره الحساب الرسمي للدوري عبر منصة «إكس».
اعتزل بلان كرة القدم لاعبًا عام 2003، بعد مسيرة خالدة برفقة أكثر من فريق، في مقدمتهم مونبلييه، ونابولي، وسانت إتيان، ومارسيليا، وبرشلونة، وإنتر ميلان، ومانشستر يونايتد الإنجليزي، الفريق الذي ختم خلاله مسيرته ليعلق الحذاء بشكل رسمي، ويبتعد عن الساحرة المستديرة لبعض الوقت.
لوران بلان لم يكن مجرد لاعب عادي، بل أسطورة فرنسية، وأحد أعضاء الجيل التاريخي، الذي فاز بكأس العالم فرنسا 1998، كما كانت له لقطة شهيرة مع الحارس الفرنسي فابيان بارتيز بعد كل فوز، عندما كان يقبل رأسه في مشهد نال استحسان الجماهير الفرنسية وحتى العالمية.
منذ 2003 وحتى 2007، ابتعد بلان بعض الشيء عن كرة القدم، حتى 8 يونيو 2007، حين تم تعيينه مدربًا فنيًا لنادي بوردو، وحينها كان عمره 41 عامًا فقط، ليحل محل البرازيلي ريكاردو جوميز.
في موسمه الأول على مقاعد البدلاء، قاد النادي إلى المركز الثاني في الدوري الفرنسي، وفاز بجائزة مدرب العام.
كان موسمه الثاني في الدوري الفرنسي ناجحًا للغاية. فاز بوردو بالمباريات الـ 11 الأخيرة من موسم الدوري الفرنسي 2008ـ2009، محققًا رقمًا قياسيًا فرنسيًا جديدًا للفوز المتتالي في تلك الفترة، ليحصد لقب الدوري الفرنسي بفارق ثلاث نقاط عن أولمبيك مرسيليا. وفاز بوردو أيضًا بكأس الرابطة 2008ـ2009، في إنجاز تاريخي يُحسب للمدرب الشاب وللنادي.
بين 2007 و2008، حدثت قصة لا يمكن نسيانها في مسيرة بلان، فبعد موسمه الأول مع بوردو وقيادة الفريق للمركز الثاني في الدوري المحلي، تلقى المدرب اتصالًا لا ينسى من شيخ المدربين العالميين، أليكس فيرجسون، المدرب الفني لنادي مانشستر يونايتد، والمدرب الأفضل في العالم خلال تلك الفترة بلا منافس.
لا أحد يمكنه رفض فيرجسون، لكن لوران بلان تمكن من ذلك، وكان أول الأشخاص الذين يرفضون الوجود في جهاز السير الإسكتلندي، ففي صيف 2008، رفض الفرنسي دعوة فيرجسون لخلافة البرتغالي كارلوس كيروش مساعدًا له، إذ رحل كيروش وطلب فيرجسون لاعبه السابق بلان بشكل شخصي، لكي يتعلم منه ويكون بجواره مساعدًا أول ضمن الطاقم الفني لنادي مانشستر يونايتد الشهير.
كان يمكن أن يوافق لوران بلان مثل غيره، لكنه كان سيرضى بدور الرجل الثاني، خاصة أن فيرجسون استمر في عالم التدريب حتى عام 2013.
ونجا لوران بلان أيضًا من مصير دافيد مويس، الرجل الذي خلف فيرجسون في تدريب اليونايتد، ليفشل سريعًا، وتتم إقالته بعد عام واحد.
ونتيجة لهذا الرفض تمكن من مواصلة إثبات نفسه مدربًا في بوردو، الذي حسم لقب الدوري الفرنسي بجدارة في موسم 2008ـ2009، بعد خمسة أعوام من نهاية مسيرته الرائعة لاعبًا، كما حقق أيضًا مع بوردو لقب كأس الأبطال الفرنسي مرتين.
وتواصلت مسيرة بلان مدربًا فنيًا، ليقود منتخب فرنسا خلال الفترة من 2010 وحتى 2012، ليحقق بعدها لقب الدوري الفرنسي ثلاث مرات مع باريس سان جيرمان، ولقب كأس فرنسا مرتين، وكأس الدوري ثلاث مرات، إضافة إلى كأس الأبطال ثلاث مرات، خلال الفترة من 2013 وحتى 2016.
وابتعد بلان تمامًا عن التدريب منذ رحيله عن سان جيرمان، حتى ذهابه إلى منطقة الخليج ليقود الريان القطري عام 2020، قبل أن يعود إلى فرنسا لتولي تدريب ليون في موسم 2022ـ2023، وبعدها يبدأ رحلة جديدة مع فريق الاتحاد الأول لكرة القدم في الملاعب السعودية، بدءًا من موسم 2024ـ2025، أملًا في مواصلة مسيرة الألقاب، وإعادة العميد إلى منصات التتويج من جديد.