أدب الخلاف والاختلاف
من نعم الله على عباده، أن جعلهم مختلفين، في كل شيء، سواءً بالأشكال، وبالميول المهني، وبالأخلاقيات، وبالأذواق وبوجهات النظر، بل وبالقدرات العقلية والجسدية وبالمقدرات والأرزاق، وهي سنة كونية أرادها الله لعباده، ليحقق من خلالها سبحانه ما أراده لمصائرنا في الدارين. وهنا، يتضح بأن الاختلاف عادةً، يكون أمرًا لا يد لنا فيه، ولا اختيار، وهو أمر لا يستلزم النزاع إلا عندما تتدخل المصلحة بين المختلفين.
أما الخلاف، والذي عادةً ما يكون نتيجة طبيعية للاختلاف، فهو الذي يمثل حالة التنافس أو النزاع الذي قد يحدث بين المختلفين، والذي يتم التعامل معه أحيانًا بطريقة حضارية، تتسم بالالتزام بآداب وأخلاقيات الخلاف المتعارف عليها في كل حقل من الحقول، وأحيانًا أخرى بطرق غير حضارية، يشوبها هبوط حاد بالمروءة والأخلاقيات، تستوجب وجود قوى قانونية وتنفيذية تتعامل معها، وعلى كل المستويات، وإلا تحول الوسط أو الحقل المعنيّ بها إلى جحيم مدمّر لا يمكن التعامل معه.
نحن العرب، ومنذ ما قبل الإسلام، كنّا مضرب مثل في مكارم الأخلاق في كل الأحوال والظروف، وما بُعث المصطفى ﷺ إلا ليتممها، وكانت الأمم تتعلم منّا الآداب والأخلاقيات في كل الظروف والأحوال، بين أفراد الأسرة، بين التجار، بين الجيران، بين الدول، وفي السلم وفي الحرب، وغير ذلك من ظروف.
ولكن العصر الذي نعيشه بدأ الحال يقترب في البعض ليفجروا في الخصومة، وكأنهم من أحفاد المغول، بلا آداب ولا أخلاقيات ولا حتى مروءة يمكنهم من خلالها أن يتركوا بينهم وبين الآخر شعرة معاوية وخط رجعة، وكل ذلك من أجل مصالح رخيصة، حتى وهم يدركون أنهم على خطأ! دونيّة مهد الشيطان طريقها لهم، وغرر بهم لينظروا لفجورهم هذا على أنه صورة من صور المرجلة والقوة والانتصار، وهو في الواقع فجورٌ سيدفعون ثمنه في الدنيا والآخرة.
نحن في زمن لا يتسامح مع الفاسدين والمفسدين، بما فيهم أولئك الذي يستغلون المناصب أو المراكز الاجتماعية أو حتى المنابر الإعلامية التي استؤمنوا عليها، ليظهروا أنفسهم من خلالها وكأنهم أبطال وشرفاء وموجهين للمجتمع، مُدّعين المعرفة والكمال، مسخرين منابرهم للانتقام الرخيص ممن لم يخضعوا لرغباتهم وأحيانًا توجهاتهم وتوجيهاتهم، ويكرسون مراكزهم ومنابرهم للفجور في خصوماتهم أو تحقيق رغباتهم الشخصية الرخيصة. وعزاؤنا أن للنظام عليهم سبيل سيضرب على أيديهم بمطرقة من حديد، وللتاريخ لهم مردم نفايات سيدفنهم بها، عاجلاً أم آجلًا، حيث لن يفلت فاسد من المحاسبة كما قال سمو سيدي وليّ العهد حفظه الله. وبشّر الصادقين.