2025-06-21 | 14:59 قصص رياضية

ولد بعد الموت.. أمور لا تحدث إلا في بوتافوجو

الدمام ـ خالد الشايع
مشاركة الخبر      

من رحم الموت، في ليلة مأساوية عام 1942، ولد بوتافوجو، أحد أعرق الأندية في بلاد البن والسامبا، مقدمًا أساطير، مثل جارينشا، الجناح الذي سحر العالم، وزاجالو، المايسترو وعبقري التكتيك.
بدأت القصة عام 1891، عندما أسس المجدف الشهير ألميرانتيو مجموعة «بوتافوجو ريجاتا» بالتعاون مع أعضاء من نادي جوانابارينسي.
في لحظات إبصار النور الأولى، ركز النادي على الرياضات المائية، لكن عام 1904 شهد انطلاقة قسم كرة القدم تحت اسم «نادي إليكترو»، قبل أن يستقر على «بوتافوجو لكرة القدم».
وبعد 38 عامًا من التعايش المستقل، شهد عام 1942 لحظة حاسمة غيرت مسار النادي إلى الأبد.
في مباراة كرة سلة بين فريقي التجديف وكرة القدم، سقط أرماندو ألبانو، نجم النادي، ميتًا على الملعب.
توقف كل شيء، ونقل على الفور إلى غرفة تبديل الملابس، ولكن بعد بضع دقائق قاطع خبر وفاته المباراة، حين كانت النتيجة 23ـ21 لمصلحة نادي كرة القدم.
اتخذ بوتافوجو دي ريجاتاس قرار إيقاف اللقاء، وتنازل عن المباراة، ليتمكن ألبانو من تحقيق فوز أخير تكريمًا له، وفي جوٍّ من المشاعر الجياشة، قرر مسؤولو الناديين توحيدهما، وبالتالي تأسيس بوتافوجو دي فوتيبول إي ريجاتاس.
عاش بوتافوجو ذروته في الستينيات والسبعينيات، لكنه مر بفترات عصيبة لاحقًا، تخللها هبوط إلى الدرجة الثانية، وإخفاقات تاريخية، وسوء إدارة.
عام 2022 كان نقطة التحول مع استحواذ رجل الأعمال جون تكستور، الذي جلب الاستقرار المالي والرؤية الطموحة.
بفضل استثماراته وتعاقدات ذكية مع نجوم، مثل تياجو ألمادا، وأليكس تيليس، وإيجور جيسوس، ارتفعت القيمة السوقية للفريق إلى أكثر من 163 مليون يورو.
ونجح بوتافوجو في استعادة الكثير من بريقه، في 2024 فاز ببطولة البرازيل بعد غياب 19 عامًا، وتوج بلقب اليبرتادرويس للمرة الأولى في تاريخه.
بالنسبة لمشجعي بوتافوجو، الوقت هو كل شيء، انتظروا كثيرًا ليشهدوا عودة المارد ذي النجمة الواحدة للواجهة.
على مر الأعوام كان اسم الفريق مرادفًا للأسى، والأخطاء الفادحة، والانهيارات، التي لا يمكن تفسيرها، والإخفاقات التاريخية.
ولكن اليوم، بات الفريق الأكثر نجاحًا في مهد الكرة الجميلة.
في أسبوع واحد، حسم لقب الدوري البرازيلي على حساب غريمه التقليدي بالميراس، ثم فاز بكأس ليبرتادوريس الكبير، على حساب أتلتيكو مينيرو.
وكان الفوز على بالميراس هائلًا، كان أكثر من مجرد نصر، بل كان انتصارًا عريضًا على منافسٍ عظيم، وإعادة كتابةٍ لتاريخهم، وخطوة مهمة نحو التفرد الذي طالما سعى إليه بوتافوجو.
الفوز بكأس الليبرتادريس كان فصلًا جديدًا من فصل العظمة، لم يتوقع أحد أن الفريق الذي واجه الهبوط في عام 2020، سيعود بكل هذه القوة والعنفوان.
جثا النادي، الذي قدم للعالم جارينشيا وجيرزينيو ونيلتون سانتوس، على ركبتيه، بسبب الفساد، وسوء الإدارة، ومع ذلك، من أعماق اليأس، بدأت عملية إعادة البناء الملهمة.
كان الأمر يتعلق باستعادة الثقة في النجمة الوحيدة، التي ترمز لبوتافوجو، وأصبحت بأهمية أي شيء آخر.
يُعرف النادي بتمسكه بالخرافات، وكثيرًا ما تُردد عبارة ـ بجرعة كبيرة من الشفقة على الذات ـ مفادها أن «هناك أمورًا لا تحدث إلا في بوتافوجو».
ولكن، في عام 2024، أصبح كل شيء مترابطًا، كان الفوز بكأس البرازيل حدثًا تاريخيًا، لكن نهائي كأس ليبرتادوريس، مثل شيئًا أعظم بكثير.
كان فرصة لرفع بوتافوجو إلى قمة كرة القدم في أمريكا الجنوبية، ولحفر اسمه في التاريخ بطريقة لم يسبق لها مثيل في أي وقت مضى، وهذا ما حدث في بيونس أيرس.
حسنًا، هل توقفت القصة، بالتأكيد كلا، وصل بوتافوجو إلى القمة التي حلم بها، ولا يمكن لأحد أن يسقطه منها، حتى جيرمان، بطل أوروبا.
يتغنى محبو بوتافوجو بإرث النادي العريق، ويعدونه رمزًا للصمود، ومنارة للأملٍ، شيء لا يمكن حتى لأقوى أندية أوروبا أن تحرمهم منه.
كانت المرة الأولى، التي يفوز فيها فريق من أمريكا الجنوبية على فريق أوروبي في كأس العالم منذ عام 2012.
مثّل الفوز أيضًا إنجازًا كبيرًا لبوتافوجو، خاصة بالنظر إلى هيمنة باريس سان جيرمان الأخيرة على دوري أبطال أوروبا، ويعزى فوز بوتافوجو إلى الأداء المنظم والمنضبط، مع التركيز على خط وسط مزدحم ودفاع قوي، للاعبين كبار، مثل إيجور جيسوس، الذي سجل هدف الفوز، ومعه جيفرسون سافارينو، وألان، وألكسندر باربوزا، وأرتور، وجاير، وجريجور.
بعد المباراة احتفلت جماهير بوتافوجو كما لو كانوا في عام 1959، عندما كان أمثال جارينشا، وزاجالو، وديدي، ونيلتون سانتوس، بعض من أعظم لاعبي كرة القدم البرازيلية على مر العصور، في قمة تألقهم بألوان النادي.