رحل وبقيت الهولكامانيا.. كيف غيّر هوجان عالم المصارعة؟
تفاجأ مارك دينفير، القاطن في حي بورنيك في كليرووتر فلوريدا، برجال الإسعاف وهم يقتحمون منزل جاره العجوز تيري بوليا في الـ 10:00 صباحًا مسرعين، ثم يخرجون بسرعةٍ أكبر، وهم يحملونه على نقالةٍ وسط محاولاتٍ لإنعاش قلبه الذي توقف دون سابق إنذارٍ.
نظر إليهم، وسيارتهم تسرع بهم نحو المستشفى على أمل إنقاذ حياة بوليا، لكنْ بعد ساعاتٍ قليلةٍ، صُدِمَ وهو يسمع بيان شرطة فلوريدا حول رحيل تيري بوليا عن عمر يناهز الـ 71 عامًا، رحيلُ الرجل الذي كان له دورٌ كبيرٌ في تغيير صورة مصارعة المحترفين من عروض سيركٍ محليةٍ لصناعةٍ عالميةٍ، تدرُّ أكثر من 4.3 مليار دولارٍ سنويًّا.
تيري بوليا، المعروف على مستوى العالم باسم هالك هوجان، لم يكن مصارعًا عاديًّا، ولا حتى أسطورةً، كان أيقونةً، والمصارع الوحيد الذي دخل غرفة المشاهير في أربع منظماتٍ للمصارعة، ومرتين في wwe.
كان يعاني من مشكلاتٍ صحيةٍ عدة في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك إصابةٌ مزمنةٌ في الظهر من أيام المصارعة، ولم يمارس المصارعة منذ عام 2012، لكنْ وفاته تصدَّرت عناوين الأخبار، لأنه لم يكن رياضيًّا عاديًّا.
وإذا كانت هناك قمة إيفرست بين المصارعين بسبب إسهاماتهم في العمل، فلا شكَّ أن هوجان، سيكون ذلك الجبل.
كان لدى هوجان شخصيةٌ، لا يمكن تجاهلها، وبصمةٌ لا تمحى في صناعة المصارعة المحترفة على مدار مسيرته المهنية التي امتدَّت عقودًا.
وُلِدَ هوجان في أوجوستا، جورجيا، عام 1953، وكان يحلم بالمصارعة الساحرة منذ سنٍّ مبكرة، وقد نجح في تحدي المرض، والفقر، والجهل، ووجد في المصارعة الهدف الذي سيقود حياته.
أحدث هوجان تحوُّلًا في عالم المصارعة المحترفة بشخصيته التي تفوق كل التوقعات، ويمكن اختصارها بأنها «كاريزما بشكلٍ لا يصدق»، ما جعله أحد أبرز الأسماء في هذه الصناعة، اليوم، وإذا أوقفتَ شخصًا في الشارع وسألتَه: سمِّ مصارعًا محترفًا؟ فسيقول على الأرجح هالك هوجان.
لم يكن مصارعًا بارعًا، لكنه كان لا يُقهر. كان ضعيفًا وقويًّا في الوقت نفسه. شخصيةٌ عظيمةٌ. دائمًا ما يُجبرك على التعاطف معه، ويُشعرك بأنه في خطرٍ! وبغضِّ النظر عمَّن يقف أمامه، لكنَّه ينتصر في النهاية! كانت لديه قدرةٌ فريدةٌ على تجسيد هذه الشخصية العجيبة، الرجلُ الذي يهزم الأشرار في نهاية المطاف.
بدأ ممارسة المصارعة تحت أسماءٍ مختلفةٍ منذ منتصف عام 1977، وسرعان ما أصبح هوجان اسمًا مألوفًا، وظهر على غلاف المجلات.
وعام 1985، تصدَّر هوجان بطولة راسلمينيا الأولى برفقة مستر تي، نجم التلفزيون في الثمانينيات، في مواجهة رودي بايبر وبول أورندورف. استقطبت راسلمينيا الأولى، في ماساشوستس جراند سلام، أكثر من مليون مشاهدٍ عبر قنوات الكيبل.
كانت ليلة الـ «جراند سلام» ليلة تغيير الخارطة، وإعلان ولادة رياضةٍ جديدةٍ، لكنَّها كانت البداية فقط، إذ رفعت مباراة هوجان الحاسمة مع أندريه العملاق في راسلمينيا 3 مستوى المصارعة لمستوى آخر، ورفعت معها مسيرة هوجان المهنية. أمَّا مباراة الإعادة، التي عُرضت بعد أشهرٍ على قناة NBC المجانية، فجذبت 33 مليون مشاهدٍ.
وقبل أن ظهور شبكة الإنترنت، لتكشف أسرار ما وراء الكواليس، كان من السهل ابتكار قصتك الخاصة. قالت wwe: إن أندريه العملاق لم يُهزم قط، ولم يُثبَّت على مدار 15 عامًا. وقد كان يُعتقد أن المعلومة صحيحةٌ، وإن لم تكن كذلك! مع ذلك، فإن الضجيج الزائف مهَّد الطريق للمباراة التي غيَّرت المصارعة إلى الأبد.
كان ظهر هالك هوجان ضعيفًا حيث أدَّت محاولته الفاشلة لضرب أندريه العملاق، الذي يبلغ وزنه 211 كيلوجرامًا، إلى تركه غير مستقرٍّ، إذ احتاج بطل الاتحاد العالمي للمصارعة مرةً أخرى إلى التجمُّع من أجل التغلُّب على أحد أشرار المصارعة.
لفَّ أندريه ذراعيه حول البطل، وحاول انتزاع أنفاسه الأخيرة من هوجان بعناقٍ قوي لدرجة أن أكثر من 90 ألف مشجعٍ في ديترويت، اعتقدوا أنهم يشهدون اليوم الأخير من الهولكامانيا.
لكنْ انتظر، أنه هالك هوجان، وليس مصارعًا عاديًّا. لقد كان صاحب العودة المتأخرة الأكبر بين نجوم اللعبة. نعم عاد بقوةٍ، ليسدِّد ضربةً قويةً إلى أندريه، ضربةً يمنى، ثم أخرى، ثم أخرى. هتف جمهور المصارعة بجنونٍ، قاوم هوجان، كما فعل ضد أشرار الثمانينيات من الحرب الباردة، أو إيران، وأخيرًا سدَّد ضربةً قويةً للعملاق الفرنسي قبل أن ينفِّذ حركته الشهيرة «إسقاط الساق» على صدر منافسه، ليحصل على العد الثالث. هكذا فاز هوجان كما يفوز عادةً.
كان هوجان في الحدث الرئيس لسبعٍ من أصل ثماني بطاقات راسلمينيا الأولى. كان وجه عالم المصارعة وبطله، واخترق عالم المصارعة بظهوره المتكرر في البرامج الحوارية التلفزيونية، إضافةً إلى أدوار البطولة في الأفلام. وفاز هوجان ببطولة اتحاد المصارعة العالمي للوزن الثقيل ست مراتٍ، منها فترة حكمٍ، دامت 1474 يومًا. لم يتفوَّق عليه سوى برونو سامارتينو، وبوب باكلاند في الاحتفاظ باللقب لأيامٍ متتاليةٍ أكثر.
وفي 1996، ومع تراجع الاهتمام به بوصفه بطلًا، حقق هوجان أكبر تحوُّلٍ له في تاريخ المصارعة كفصلٍ ثانٍ، إذ عمل مع wcw، وتحوَّل إلى رجلٍ شريرٍ، وقائدٍ لمجموعةٍ من الغزاة. استحوذ هذا التحول، الذي حدث قبل 29 عامًا، اهتمام الجمهور بشكلٍ لم تشهده المصارعة منذ راسلمينيا 1.
وبثَّ النظام العالمي الجديد، بقيادة «هوليوود» هوجان، نجمه الرئيس الشرير الذي يرتدي الأسود والأبيض بدلًا من الأحمر والأصفر الذي اشتُهر به، روحًا جديدةً في صناعة المصارعة خلال حقبة التسعينيات التي شهدت ثقافةً مضادةً حيث طالب الجمهور بمصارعٍ أكثر جرأةً ونضجًا. كان هوجان على قدر التحدي، وساعد wcw على التفوُّق على wwe في نسب المشاهدة التلفزيونية لمدة 83 أسبوعًا متتاليًا بدءًا من يونيو 1996، فيما عُرف لاحقًا بـ «حروب ليلة الإثنين».
واستطاع أن يُظهِر وجهَي العملة في المصارعة، الرجل الصالح والرجل الشرير، ببراعةٍ. لقد كان المحرك الرئيس ليس فقط لاهتمام الجماهير، بل وأيضًا لأموال الصناعة.
هل انتهت القصة عند هذا الحد، أبدًا، فقد عاد هوجان مجدَّدًا لـ wwe، في 2002 لمواجهة ذا روك في راسلمينيا 18 بتورنتو. كانت شخصيته نسخةً عن الرجل الشرير من NWO، لكنْ الحضور، الذي تجاوز 68 ألفًا، لم يُبدِ اهتمامًا بصيحات الاستهجان ضده، بل شجعوه بحرارةٍ.
كان ذا روك «دوين جونسون»، هو المصارعُ ذو الوجه الطفولي المفضَّل لدى جماهير wwe عندما التقى بالشرير هوجان في مباراة «أيقونة ضد أيقونة» في راسلمينيا 2002، لكنْ المشكلة الوحيدة، هي أن جماهير تورنتو قررت دعم هوجان.
لم يرغب 70 ألف شخصٍ مخلصٍ في كره هوجان، وبعد المباراة، دعت هتافات هوجان إلى تغيير خططه في اللحظة الأخيرة حيث هرع حلفاؤه السابقون في NWO لمهاجمته! وساعد ذا روك هوجان في صد NWO، ووقف الرجلان معًا وسط هتافاتٍ حماسيةٍ.
وفي نهاية اليوم، عاد هوجان إلى منزله بفلوريدا، ليستعيد قمصانه الحمراء والصفراء القديمة وملابس المصارعة.
ويتفق خبراء التسويق على أن هوجان تعامل مع شخصيته في المصارعة كنوعٍ من الملكية الفكرية، فبنى استراتيجية علامته التجارية الشخصية التي امتدَّت إلى ما بعد مسيرته المهنية في الحلبة، وتطورت هذه العلامة التجارية الشخصية لتصبح أصلًا تجاريًّا راسخًا، ونجح في أن يحوِّل نفسه من فنانٍ رياضي إلى علامةٍ تجاريةٍ لأسلوب الحياة، وهو أمرٌ لم يفعله سوى عددٍ قليلٍ من الرياضيين في مستواه.
هوجان كان إنسانًا أيضًا، لكنَّه لم يكن شخصًا جيدًا. في أعوامه الأخيرة، أثار ضجيجًا في حياته الشخصية، بدءًا من تسجيلٍ له عام 2015، وهو يستخدم عباراتٍ عنصريةً، إلى اعترافه باستخدام المنشطات، ما تسبَّب في إبعاده عن عالم المصارعة، ومنعه من دخول حلبة wwe، وسحب بضائعه التي لا تزال موجودةً في المتاجر، وشطبه من قاعة المشاهير، قبل أن يعود ويتم الاعتراف به مجدَّدًا في 2018، ويظهر للمرة الأولى بعد غياب ثلاثة أعوامٍ في الرياض خلال عرض كروان جول تحديدًا.
ويعزِّز موت هوجان جزءًا آخر من إرثه، فقد عاش فترةً أطول بكثيرٍ من عديدٍ من زملائه في عالم المصارعة المحترفة، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الحفاظ على صحته بشكلٍ أفضل من غيره. مات مصارعون آخرون من تلك الفترة صغارًا، فقراء، ودون ضجةٍ كبيرةٍ. إذا عدتَ إلى مَن شارك في راسلمينيا في الأعوام العشرة الأولى، فستجد أن كثيرًا منهم مات، لكن كان هوجان استثناءً حقيقيًّا ليصل إلى هذه المرحلة.