«قص شعرك».. رسالة غيّرت حياة يلديز
تتراقص الأبراج القديمة تحت سماء الزرقاء في قلب مدينة ريجنسبورج الساحرة، حيث ولد طفل يحمل في دمه مزيجًا من الشرق والغرب. كان ذلك في 4 مايو 2005، حين جمع الحب بين مهاجر تركي يدعى يلديز، رجل نشأ في قرية صغيرة بين حقول الزراعة التركية، بعيدًا عن أضواء الملاعب وشابة ألمانية تكنى رينا.
سمى الأب ابنه الأول «كينان»، تيمنًا باسم تركي يحمل في طياته أحلام الأجداد. لم يكن يعلم أن هذا الاسم سيتردد في الملاعب العالمية، وأن ابنه سيصبح نجمًا في يوفنتوس الإيطالي.
مع أول كرة جلدية في يديه، وهو في الثالثة من عمره، اكتشف كينان لغة الكرة.
لم يكن والده لاعبًا محترفًا؛ كان فلاحًا بسيطًا لم يعرف أكاديميات الشباب، لكنه رأى في عيون ابنه شرارة الموهبة.
في شوارع ريجنسبورج الهادئة، تعلم كينان الركلة الأولى، والتحكم في الكرة كأنها جزء من جسده. كانت تلك الكرة حلمًا يصنعه بنفسه، بعيدًا عن الدروس الرسمية، مجرد طفل يركض خلف الفرحة، غير مدرك أنها ستأخذه إلى قمم العالم.
في السادسة، طرق باب أكاديمية بايرن ميونيخ، النادي الذي يحلم به كل صبي ألماني. هناك، في أرض بافاريا السحرية، صقل موهبته كجوهرة في الظلام.
يوميًا، يركض، يراوغ، يتحكم في الكرة ببراعة تجعل المدربين يهمسون: «هذا الفتى مختلف». لكن الحياة ليست دائمًا ممهدة. انتهى عقده مع البايرن، وكأن الباب أغلق فجأة. ثم، من بعيد، برز يوفنتوس كنجمة في الأفق.
عرض إيطالي مغرٍ، رؤية لموهبة استثنائية. في 2022، غادر كينان ألمانيا، متجهًا إلى تورينو، حيث تنتظره أعرق الأندية الأوروبية.
كانت مغامرة جديدة، مليئة بالخوف والأمل، تاركًا وراءه الشوارع التي شهدت أول ركلاته.
دخل كينان عالم يوفنتوس كطفل يدخل قصرًا من الأحلام.
تدرب إلى جانب أبطال كان يشاهدهم على التلفاز، يتبادل التمريرات معهم، يتنافس في التمارين التي كانت تبدو كأفلام.
في مباراته الأولى ضد أودينيزي، دخل بديلًا، قلبه يدق كالطبول، لم يكن يعرف حتى اليوم السابق أنه سيلعب، الجماهير تملأ المدرجات، هتافات يوفنتوس تعلو كعاصفة، بينما يرتجف جسده أثناء الإحماء.
وعندما نُطق اسمه، تحول الملعب إلى مسرح حياة. كانت تلك اللحظة البداية: شاب يافع يواجه عالم الكبار، ويخرج منه بذكرى لا تنسى.
ثم جاء الفيلم الوثائقي «الأفضل لم يأتِ بعد»، إنتاج يوفنتوس ليروي قصة نجمه الصاعد. هناك، انكشفت لمسات طريفة عن شخصيته.
ماسيو أليجري، مدربه، لاحظ عادته الغريبة: لمس شعره الطويل مرارًا أثناء المباريات.. «الملعب ليس منصة عرض أزياء، بل ساحة معركة» صاح مازحًا.
أما ماسيمو برامبيلا، مدرب الشباب، فكشف أن كينان جرب سوارًا يذكره بالتوقف عن هذه الحركة. لكن كينان اعترف بجرأة: «إنها ليست مجرد عادة، بل تشنج عصبي يلاحقني منذ زمن». كشف هذا الاعتراف جانبًا إنسانيًا، يذكرنا أن النجوم ينزفون ضغوطًا نفسية خلف الابتسامات.
والده، يلديز، كان الركيزة الأقوى. «قص شعرك، يا ولدي، لتثبت التزامك»، نصحه بحزم.
وفي لحظة عفوية يوم الإثنين – حين كان الحلاقون مغلقين – أمسك كينان بالمقص بنفسه وقص شعره.
نشأ بين ثقافتين، فهل يلعب لألمانيا، أرض ميلاده، أم تركيا، جذور أبيه؟ الاتحاد الألماني تجاهله تمامًا، بينما دق التركي أبوابه مبكرًا. مع ارتباطه العاطفي بتركيا، اختار راية النجمة والهلال.
بدأ مع منتخبات الشباب تحت 17 و21، يبهر الجماهير بمهاراته الساحرة، محط أنظار التركيين الذين يرونه رمزًا للأمل.
خارج الملعب، يظل كينان الفتى العائلي، شقيقه أوجور يلديز يظهر في صوره على إنستجرام، رابط أخوي قوي يدعم النجم الصغير أمام أضواء الشهرة.
العائلة كانت سند ظهره، من ريجنسبورج إلى تورينو، تدفعه للأمام.
اليوم، كينان يلديز – الفتى الذي ركل الكرة في الشوارع – يكتب فصلًا جديدًا في ملاعب إيطاليا. يحمل تراثًا مزدوجًا، طموحًا لا يعرف الحدود. كل خطوة، كل ركلة، تروي حكاية شاب يتحدى العالم. الكرة لغته، والملعب موطنه. والأفضل لم يأتِ بعد.