ولكني أحزن!
لاحظ أن أكثر من ناد عربي, ما إن يخسر كم مباراة إلا ويتقوَّض، يتحول إلى استجداءات، وفاقة وتسول وتبادل تهم تقصير، وقد يترك النادي وحيداً تحت رحمة أحزان الجماهير، لاحظ أن ذلك ليس من العمل المؤسسي في شيء، وأن تلك الأندية التي نقول عنها قلاعاً قديمة, تتهاوى من أجل ثلاث نقاط، ولو تعرضت لرشح عابر عطست عاماً بأكمله وقد يكون أعواماً.
ـ لن تحتاج مني إلى ضرب أمثلة بأزمات كافة الأندية العربية، تلك التي تغوص فيها أندية تفكر بشكل سلبي، فيما قررت أن تذهب للمستقبل، لا تبدأ بالحزم إلى نجران عليك أن تتفحص من قالوا عنهم أكبر, وتنتهي بمن هم أصغر، لا أخيلك لا تقرأ طقوس الواقع، ذلك الذي تتنفسه كمشجع، وكأن أنديتنا العربية، ترتكز على مباراة أو ثلاث نقاط، أو حتى فقدان بطولة، ما يشير بشكل وبآخر إلى أنها ترتجل الموقف، ترتكب خطباً للهزيمة عصماء، ولا تخطط، ولا تمتلك بدائل لمن قد يسأمون أو يرحلون ـ فجأة ـ أو من لديهم مهام صغيرة يرتبط تنفيذها بامتطاء النادي، حتى لو توقف مستقبل ذلك النادي بعد السيد (راحل)، فيما ليس على الجمهور إلا أن يكابر أو يتقادح أو يحزن، قد يكون لديه خيار رابع، أن يعتزل التشجيع أو أن يتحول إلى (عربي) يدور حول أطلال النادي القديمة، ليمارس تأنيب الذَّات، في توبيخ يأتي كشجن الهزيمة، تلك التي ألفها وفق المزاج المتقلب والآخر، والبقاء والرحيل، ومن عليه أن يرى فيه (منقذاً) ولكنه هرب.. لماذا المنقذ أصلا؟!
ـ هنا لابد وأن تشير إلى فساد إداري ما، في النادي أو في تركيبة رؤية مستقبله وأهدافه وقوانينه وأنظمته، أو في رؤية من يحملون أحزاننا وأفراحنا حتى لو كانت كرة قدم، حتى لو كانت مالاً وأعمالاً لا نراها، حتى وإن كانت مشاعر تحترم أو لا تحترم، حتى وان كانت ـ مبادرات ـ صغيرة لمصالح وقتية تنتهي نتيجتها بهدف، على إثر قرار من حكم لم يقدر ضربة الجزاء بشكل دقيق.
ـ ما يعني أن يدرس هذا الواقع ويحلل، وأن نمزق اللائحة تلك التي لا تعمل، وتلك القوانين غير الملزمة لعناصر تهرب، أو تكابر، أو ترى الأمر من باب الضوء واللعبة، ولا تحقق المصالح العامة بما فيها من أفراح، فيما تشبع الجمهور بالأتراح، فيما تحيله إلى (آثم) أحب.
ـ ما يعني ألا ترتهن الأندية بلوائحها لرغبات تقتل، وتصيب حتى الطفل بأكبر قدر من الضرر النفسي ذلك الذي قد يتشكل لديه، وأن يتطبع معه أو يتعود عليه، فلا يوجد لأنديتنا مشجع يثق في أن يكون في مأمن نفسي عمن قد يحدث له الضرر ـ نفسياً ـ إلا فيما ندر، وندر هذه (لا أحد) على الأكثر، فقد عاشت الأندية العربية في مجملها مواسم خريف، وشتاء، وصيف جاف، عانت حتى كل ومل الجمهور من لغة التبرير، عانت حتى صار المشجع يعلم كافة أدوار تدويل وتفريق دم الهزيمة، وارتكابها كمسوغات، صار يعلم متى سيناور رئيس النادي، وكيف يبرر المدرب، ومتى سيقال عن نجم الفريق مصاباً، كي لا يبرح النادي على حساب منتخب.
ـ تبادل الشرفيين من تهم التقصير ما جعل المشجع يرى الحقيقة (ثرثرة)، والنادي كبكبة ماء، وأجندة لا يدون فيها أي وقت ولا موعد، ولا ذهاب إلى ما هو أبعد منَّا كأحزان!
ـ ثم ماذا؟ لا شيء ـ المستقيلون في ازدياد والمرشحون في ازدياد، والأحزان أيضاً في ازدياد، فمن أندية أحلام إلى أندية أقزام تجمع ما قد يكفي من نقاط، ومن مال لا يشبع، ومن كثير من الأضداد وقد أحقاد مؤجلة وإن كابرت سأعتذر لك، فأنا لا أصادر من تحب، ولكني أشفق عليك منه.
ـ أشفق علينا من تلك الزوايا البعيدة المبهمة، تلك التي ثلاثة أبعاد ليس منها (استقرار) النادي، ولا مستقبله ولا أن يكابر في رفع عدته والعتاد، فيما يتناقص، ويتآكل، وتكثر أحزانه باستقالة أو بقرار إبعاد، فيما نردد عنه أهم الحصون القديمة تلك التي لا تسقط فيما نرتكب (الكبر)، تلك التي لا تهزمها الريح، وتتكسر أمام مداخلها كالآحاد!
ـ حسناً ـ في العمل المؤسسي يحاسب كافة الأفراد، وفيه لا تحقق الرغبات الأمجاد، ما لم يكن أمامك قلم رصاص وآلة حاسبة تفكر بأذنيك، فيه النجم العمل وليس أي فرد من الأفراد، فيه أن تكابر بأدواتك وقدراتك لا أن تكتفي بمقولة تصب في خانة: غسلت يدها مني كافة الأمجاد، فيما لم تستخدم قلم الرصاص ولا آلتك الحاسبة، فيما تقبل على المهمة كنزوة، أو أطماع صغيرة، تنتهي بدمعتين ورحيل.
ـ ما لم نؤمن خطوات العمل، ما لم يتمتع النادي بحصانة ضد أن يخذل، ما أن يرتبط المال بأهداف عامة، بلوائح، برؤى للمستقبل، ستستمر أحزان الجمهور، فيما من لا يكملون ولا يسترسلون يبررون أمر الإخفاق والآخر بمغادرة، أو بعبارة صغيرة، ساذجة، كتلك الباردة، لا يصرفها المستقبل إلا (لعنة) لمن أضاؤوا للنادي الظلام أمجاداً، فيما حملوا الشمعة وساروا لأنفسهم فقط.
ـ لم أستثن، لم أستدرك، كوني لم أجد (نادياً عربياً) يقف كتلك التي قلاع، وأحصنة، وأمجاد، فيما يذهبون للمجد مرة، يعودون بعد عام واحد فقط، ألف مرة، يفكرون في جمع النقاط، وحسابات النقاد، ولعنة التحكيم, وكيف سقطوا، وكيف ليس لهم المال ولا العتاد، ليأتي المنقذ، وتكتمل الرغبة، ثم ماذا؟
لا شيء ـ يلعن من كانوا له أضداد، يقبحهم، فقد عطلوا قلم الرصاص، وآلته الحاسبة التي لا تعمل، وسرقوا منه الأمجاد ـ أمجاد أن جاء رغبة، أطماع صغيرة، نفذت شهوتها في الضوء، فيما الكرة (سنترة)، نقطة بداية الحزن، ذلك الذي جماهير، ذلك الذي (بكى دمعتين) وغادر الطفل فيه هزيمة ـ خطبة عصماء أليس كذلك؟ ولكني أحزن. إلى اللقاء.