المساكن التاريخية.. و«سيخ» الشاورما
قبل صعود طلعة “حي ظهرة البديعة” غرب مدينة الرياض يبرز قصر شامخ أو بالأصح ما بقيّ منه، ومن يسعى إلى دخوله يصطدم بمن يمنعه ليس أشخاصًا وإنما من قرارة نفسه، فالقصر بات في حكم “المهجور”.
خضت المغامرة بعد تحديّ بعض الأصدقاء، وتجولت بالسيارة في نهاية التسعينيات الميلادية، لكن سرعان ما قررت الخروج كون كل شيء يبدو هامدًا وساكنًا حتى الأشجار.
إلى الآن لا أعرف لمن يعود هذا الصرح الشامخ، لكن ما أعرفه بأنه يجبرك على التوقف عنده وترغب في معرفة قصته، ومن سكنه وتاريخه لكن لا تجدّ من يجيب للأسف.
لدينا قصور ومنازل سكنها أشخاص غيّروا ملامح التاريخ، وصنعوا أمجادًا وتركوا إرثًا كبيرًا وقيمة أدبية خلف الجدران، لكنها أهملت بعد رحيلهم وتحوّلت إلى كومة من الأحجار أو هدمت وشيّد مكانها منازل ومحلات تجارية وما شابه.. فتأسف على حال منزل لشخصية كبيرة وذات أثر تجد الطوابير مصطفة أمامه ولكن ليس من أجل زيارته وإنما لطلب شاورما من المطعم الذي نصب مكانه.
في رحلة للكاتب الصحافي المخضرم يحيى مفرح زريقان للبحث عن منزل الفنان الراحل طلال مداح في محافظة الطائف يشير إلى مساكن عاش فيها صوت الأرض في حي الشرقية في بلد الورد ومنها غنى أول أغانيه، وردك يا زارع الورد لكن الحاضر يفصلك عن الماضي فلا تجد أي دليل على أن قيثارة الشرق مرّ من هنا.
الصديق العزيز ماجد الحكير المهتم في “الرياض القديمة” من على ارتفاع 30 طابقًا في أحد فنادق وسط العاصمة طلب منيّ الاقتراب من النافذة، وبدأ يشير ليّ على المقر القديم لنادي الرياض والشباب والهلال والنصر وقصور شخصيات، وعندما سألته عن حالها رد بأن الزمن جار عليها ولسان حاله يقول “لا تنشد عن الحال”.
استمتعت كثيرًا بزيارة منزل أسطورة الكوميديا الراحل تشارلي تشابلن في مدينة مونترو السويسرية الذي فرّقه الموت عنه في بداية السبعينيات وهجر سنوات طويلة قبل أن تتدخل “هوليوود” وتحوّله إلى متحف، وليس تشابلن وحده بل هناك الملايين من المنازل والقصور التاريخية.
ولنا في تجربة قصر المربع خير برهان، وهو القصر الذي سكنه المؤسس الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ، فبقيّ مهجورًا سنوات طويلة قبل أن يعاد ترميمه من قبل الجهات المختصة ويتحول إلى متحف يعد الأبرز في بلادنا وكذلك قصر الملك فيصل في حي المعذر الذي أحاطت به جامعة الفيصل وأمسى مزارا مهما..
لذا على وزارة الثقافة والهيئات المختصة بالتراث أن تحافظ على ما بقيّ من تلك القصور والمنازل التاريخية وتحولها إلى متاحف بمقتنيات أصحابها والتعريف بهم وإنجازاتهم بدلاً من أن تكون مهملة.. وحينها ستدر مكاسب مادية ومعنوية.