عفوُّك يا رب
لا أحب الذهاب إلى ميكانيكي السيارات، لا شك أن هناك ميكانيكيين صادقين ومحترمين، لكن نسبة ليست قليلة منهم جزارون، مع محبتي للجزارين خصوصًا الذين يبيعون لنا لحومًا طازجة. بعد أن طلب مني الميكانيكي الانتظار كانت رائحة شهية تعلن عن وجود مطعم قريب، التفت فرأيت مطعمًا آسيويًا، ما إن دخلت حتى رأيت خبز التنور الحار، وخبز التنور شرط أن يكون قد خرج للتو من التنور هو نقطة من نقاط ضعفي التي لا أخجل منها، أنا على استعداد في لحظة ما بمبادلة ساعتي أو قلمي بخبزة ساخنة مع صحن من المرق باللحم، وهذا ما وجدته في المطعم. شعرت بأنني في كل الأحوال رابح أو متعادل، الميكانيكي غالبًا سينصب علي، لكنني في المقابل حظيت بالوجبة الأشهى. ما أن وصل الطعام وبدأت بتناوله حتى جلس على نفس طاولتي لازدحام المطعم شاب آسيوي، تحدث مع النادل بلغته، فأحضر له النادل بعد لحظات أرزًا أبيض فقط، كان الشاب يأكل لقمتين أو ثلاثة ثم يشرب ماءً لتمرير الأرز الناشف إلى بلعومه. لم أقاوم الأمر وسألته إن كان يريد نفس الطعام الذي أتناوله أو طعامًا آخر، لم أفهم ما قاله لأنه لا يتحدث العربية ولا الإنجليزية، فطلبت من النادل أن يسأله عن الطعام الذي يريده وسأدفع أنا نيابةً عنه، طلب نفس ما كنت أتناوله وبدأ بتناول طعامه الجديد. بعد أن انتهى قام وغادر دون أن يشكرني، أو حتى دون أن يومئ برأسه كعلامة شكر. لم أكن أريد منه شيئًا، لقد طلبت له الطعام لأني لم أتحمل الفارق الحاصل على الطاولة، ولأنه كان يبدو معدمًا، كان تصرفًا طبيعيًا مني لا أكثر، لكن مغادرته دون أن يشكرني بدت وكأنها سوء تصرف منه وعدم كياسة. من الطبيعي أن نشكر الناس الذين يبادرون لنا بالأشياء حتى لو كانت كلمات تشجيع. غادرت، ولسبب لا أعرفه بقي الشاب في ذاكرتي، ورحت كلما تذكرته أحلل سوء تصرفه، ربما خجل مني، ربما لا توجد في بيئته التي ولد وعاش فيها ثقافة الشكر. في المرة الأخيرة التي تذكرته فيها اقتحم عقلي سؤال لا أعلم من أين جاء: لقد أزعجك أن الشاب لم يشكرك على وجبة طعام ثمنها لم يتجاوز 20 ريالًا، ولا يزعجك أنك لا تشكر الله على كل نعمة، وإذا شكرته على نعمة نسيت أن تشكره على نعمه الأخرى، التي تراها ولا تراها، هل تشكره عندما تفتح عينيك كل صباح على نعمة البصر؟ هل تشكره كل يوم على نعمة السمع؟ هل تشكره كل يوم على القوة التي يمنحك إياها لتسير على قدميك عندما تغادر سريرك؟ هل تشكره على انتظام أنفاسك.. واستلذاذك بطعامك؟ هل أزعجك أن شابًا معدمًا لم يشكرك على وجبة طعام قدمتها له مرة واحدة، بينما يقدم لك الله كل يوم وكل ساعة وكل لحظة نعمًا لا تقدر بثمن، ولا تُعد ولا تحصى، ولم تشكره حق شكره، ومع هذا هو يرحمك ويمدك بالنعم!