على متن الطائرة إلى الوطن.. كيف تركت الصين؟
كانت الرحلة إلى الصين أحد الأهداف التي وضعتها في خطتي الصحافية لهذا العام وتحققت على أكمل وجه بفضل من الله، وكما ذكرت لكم في مقال الأسبوع الماضي سأتحدث لكم في هذا المقال عما شاهدته خلال زيارتي القائمة على كرة القدم وليس أي شيء آخر.
خلال زيارتي في مطار شنغهاي ومطار داليان والشوارع الرئيسة في مدينة داليان والأسواق التجارية في داليان لم أشاهد أي إعلان تجاري يخص كرة القدم أو استخدام لاعب كرة قدم في إعلان تجاري، على عكس اللاعبين الأولمبيين الذين شاهدت إعلانات تجارية لهم في كل مكان تقريبًا.
مشاهدة صيني يرتدي قميص كرة قدم لنادٍ محلي أو نادٍ عالمي أشبه بالمستحيل، بل إنني وجدت أول قميص رياضي منذ وصولي إلى الصين بحوالي 24 ساعة عندما ذهبت لزيارة خاصة لمجمع داليان الرياضي الوطني، وكان اليوم هو الأحد في إجازة نهاية الأسبوع في الصين، وخلال جولتي في مجمع داليان شاهدت الآباء يأتون بأبنائهم إلى كل الرياضات الأولمبية والتي تحصل على شعبية كبيرة هناك في الصين.
كرة القدم ليست أولوية للصينيين، في هذه الزيارة شاهدت ملعب كرة القدم وهو ملعبان في المدينة الرياضية يلعب في ملعب لعبة الكريكيت ويلعب في الملعب الآخر تمارين جري وركض وتمارين رمي العصي الأولمبية، قيل لي إن كرة القدم لها 3 حصص فقط في الأسبوع في المدينة الرياضية وهي مدينة رياضية تعتبر في منطقة شعبية في مدينة داليان قريبة جدًّا من الصينيين، ولكن الاهتمام الشعبي في كرة القدم غير ملموس والكل يتهرب من كرة القدم.
تجولت بين الشقق وبيوت الصينيين في مدينة داليان في منطقة شعبية، وبالمناسبة يقول الصينيون إن مدينة داليان هي عاصمة كرة القدم وقدمت الكثير من اللاعبين التاريخيين طوال تاريخ منتخب الصين ولعبة كرة القدم، بين البيوت والشقق لم أجد رموزًا أو إشارات للفرق المحلية ولكن وجدت لألعاب أخرى، خلال تجولي شاهدت أطفالًا يلعبون ألعابًا أولمبية مثل كرة معلقة بمضرب والدراجات الهوائية المنتشرة بقوة بين الأطفال، ولكن لم أشاهد كرة قدم بل شاهدت بعض الصينيين يلعبون كرة الطائرة بين إحدى الشقق السكنية.
ذهبت إلى الفندق الذي يقيم به منتخبنا السعودي ووجدت أخيرًا صينيين يهتمون بكرة القدم، وجدت أن لديهم هوسًا كبيرًا بالحصول على توقيعات اللاعبين، ووجدت أشخاصًا ينتظرون يايا توريه الذي لعب لديهم، ووجدت بعض مشجعي مانشستر سيتي الذين يبحثون عن مانشيني وأخذ صور تذكارية بجانبه، وجدت مشجعًا صينيًّا لنادي روما قادم من شنغهاي من أجل سعود عبد الحميد ووقَّع له والتقط صورًا معه، وجدتهم يعرفون سالم من هدف الأرجنتين ويعرفون البليهي من ميسي ورونالدو، وعندما تناقشت معهم حول كرة القدم اتفق الجميع أنهم يعانون في البحث عن أصدقاء مهتمين باللعبة ويبحثون دائمًا عن مجتمع كرة القدم في مدنهم.
في يوم المباراة كانت الحكاية مختلفة، ما شاهدته هناك مشجعين شغوفين بكرة القدم، التزام كامل بالقميص الخاص بالمنتخب الصيني وترحيب بي بشكل غير طبيعي، تجولت بالملعب لساعات وأنا مرتدي قميص منتخبنا الوطني السعودي ولم أجد شخصًا اعترض على ذلك أو أساء لي، بل ما حدث هو العكس يرحبون ويلتقطون الصور بجانبي وتحدثت معهم بقوة عن كرة القدم ووجدت شغفًا وإدراكًا حول اللعبة خاصة العالمية، وجدت بعضهم يهتم بالدوري المحلي وبنفس العدد تقريبًا لا يهتم بالدوري المحلي بل يهتم بنادٍ خارجي أوروبي بجانب منتخب بلاده فقط.
الأمر المؤكد بالنسبة لي بعد هذه الرحلة أن الصين تواجه مشكلة حقيقية مع كرة القدم، بسبب وجود حواجز اجتماعية وثقافية كبيرة في المجتمع بين كرة القدم والآباء، ويعود أسبابها الرئيسة لقضايا الفساد التي شكلت للآباء نظريات خاطئة عن كرة القدم أهمها أن الأب يعتبر كرة القدم مهنة غير قادرة على بناء أسرة، وهناك فرص أن ينجح ابنه في رياضة فردية أو رياضة جماعية أولمبية أكبر من كرة القدم.
في النهاية كان هناك سؤال أنتظر الإجابة عنه من أحد إعلاميي الصين حول الخطأ الذي ارتكبوه في مشروعهم ويجب ألا نطبقه في مشروعنا الرياضي، وأنا جالس وأمام علبة تمر سكري جلبتها من الرياض لكي أفتح نقاشات وأعرف بثقافتنا مع الإعلام الصيني، وجدت إعلاميين قلة فقط يتحدثون الإنجليزية بطلاقة أما البقية لا يجيدونها، فأجاب عليَّ أحدهم وهو صحافي صيني يبلغ من العمر 65 سنة، قال لي بكل اختصار «لدينا مشكلة برفع الطموح ولا نعمل على أهداف منطقية، في كل تاريخنا الرياضي بكرة القدم دائمًا كنّا نضع أهدافًا ضخمة ومرعبة، كيف كنّا نريد أن يمارس 20 مليون طفل كرة القدم في عام 2020 ونحن انطلقنا في مشروعنا في عام 2016؟ الأمر ليس منطقيًّا، ولكن كسبنا ضجة إعلامية وخسرنا مشروعنا الرياضي».