|


كوبا أمريكا 1919.. هدف أنهى آفة العنصرية بعد أطول نهائي

البرازيلي أرثور فريدنريتش (أرشيفية)
جدة ـ محمود وهبي 2024.06.21 | 04:50 pm

أنجبت البرازيل نخبة من ألمع النجوم في تاريخ كرة القدم، من ليونيداس، وبيليه، وجارينشا، وجيرزينيو، وزيكو، إلى روماريو، ورونالدو، وريفالدو، ورونالدينيو، ونيمار، لكن قبل هذه القائمة الأسطورية، وغيرهم من الأسماء اللامعة، كان أرثور فريدنريتش أول من لعب دور البطولة في الرواية البرازيلية، ونجوميته لم تكتب فصول نجاح على أرض الملعب، فحسب، إنما رسخت جذورًا اجتماعية جديدة، وفتحت أعين الناس على الساحرة المستديرة، في بلدٍ أصبحت كرة القدم ملاذه الأول منذ أجيال.
وتزامنًا مع انطلاق النسخة رقم 48 من كوبا أمريكا، الجمعة، على الأراضي الأمريكية، وبالعودة إلى بدايات بطولة المنتخبات الأقدم في العالم، كان منتخب الأوروجواي أول عملاق للقارة الأمريكية الجنوبية، متفوقًا على الأرجنتين والبرازيل وتشيلي في النسختيْن الأولى والثانية، عاميْ 1916 و1917، إلى أن قرر فريدنريتش أن يضع البرازيل على منصة النسخة الثالثة عام 1919، ليُتوّج الـ «سيليساو» بلقبه التاريخي الأول.
وفي تلك الفترة، كانت العنصرية تسيطر على كرة القدم البرازيلية، إذ كان يُسمح لذوي البشرة البيضاء باللعب على مستوى الأندية المحترفة والمنتخبات، وكان فريدنريتش «الأسمر» أول من حصل على استثناء للعب مع المنتخب، لأنّه من أصول ألمانية، إذ وُلد لأوسكار فريدنريتش، المهاجر الألماني، المتزوّج من برازيلية سمراء، ولأنّه كان يلعب لنادي جيرمانيا، وهو نادٍ أسسه مهاجرون ألمان عام 1899 في ساو باولو، واسمه الحالي بينييروس، والنتيجة كانت أن فريدنريتش أصبح أول لاعب «أسمر» يمثّل المنتخب البرازيلي تاريخيًا.
وسُمح لفريدنريتش بالمشاركة في كوبا أمريكا 1919، فسجّل ثلاثة أهداف في اللقاء الأول أمام تشيلي، وأسهم بوصول فريقه إلى المباراة النهائية، فواجه الأوروجوياني، حامل اللقب، في مباراة فريدة من نوعها، إذ انتهى الشوطان الأصليان والإضافيان على نتيجة التعادل السلبي، واتفق حينها قائدا الفريقيْن مع الحكم على لعب شوطين إضافيين آخرين، ما يعني أن المباراة امتدت 150 دقيقة، فكانت أطول مباراة في تاريخ كوبا أمريكا، وكان بطلها فريدنريتش، الذي سجل هدف الفوز الوحيد في الدقيقة 122.
وبعيدًا عن تأثيره الشخصي على أرض الملعب، أسهم فريدنريتش تدريجيًا بإنهاء آفة العنصرية في كرة القدم البرازيلية، فهي تضاءلت كثيرًا بعد اللقب عام 1919، وأقدمت عدة أندية شهيرة على إدراج لاعبين من البشرة السمراء في قوائمها، كما فتح فريدنريتش طريق الكثيرين منهم للمشاركة مع المنتخب.
ولا تنتهِ قصة فريدنريتش هنا، إذ تدخّل إيبيتاسيو بيسوا، الرئيس البرازيلي، لحظر اللاعبين السمر من تمثيل المنتخب، فغاب فريدنريتش عن نسختيْ 1920 و1921 من كوبا أمريكا، ومُني المنتخب البرازيلي بخسارة قاسية أمام الأوروجواي بسداسية نظيفة عام 1920، وخسر مرتين أمام الأرجنتين والأوروجواي عام 1921، فما كان هناك من حل سوى رفع هذا الحظر، ليعود فريدنريتش إلى القائمة في نسخة 1922، فاحتفلت البرازيل بلقبها الثاني، تحت قيادة فريدنريتش، بعد فوز مصيري على الأرجنتين في المباراة الأخيرة.
وأمضى فريدنريتش أعوامًا طويلة من النجاح في مسيرته، وأصبح له رمزيته الخاصة، فيُحكى أنه أول روّاد الكرة الجميلة، أو الكرة المهارية، التي تعتمد على سرعة التحرك والتمريرات القصيرة واللمسات السريعة، فيما أطلق عليه الأوروبيون لقب ملك كرة القدم، خلال جولة للمنتخب البرازيلي في أوروبا عام 1925، لكن حياته بعد الاعتزال كانت مغايرة، فهو أصيب بمرض الزهايمر، وأنفق كل أمواله على العلاج، وعاش حتى وفاته في منزل قدّمه له نادي ساو باولو، وفارق الحياة دون أن يترك شيئًا لعائلته.
ويُحكى أيضًا أن فريدنريتش قد سجل أكثر من 1200 هدف، لكن هناك شكوك كبيرة حول هذا الرقم، إذ يُحكى أن والده أوسكار، وزميله اللاعب ماريو أندرادي، قاما بتسجيل قائمة لجميع أهدافه، لكن هذه القائمة اختفت في الستينيات، تزامنًا مع إصابة فريدنريتش بمرض الزهايمر، الأمر الذي يجعل إحصاء عدد أهدافه مستحيلًا، ويزيد الشكوك حوله.
قصة فريدنريتش باختصار يمكن تجزئتها إلى ثلاثة أقسام، الأول هو دوره في وضع المنتخب البرازيلي على خارطة كرة القدم العالمية، بعد أول ذهبيتين لهذا المنتخب في كوبا أمريكا، والثاني هو دوره الأساسي في صقل شعبية كرة القدم في البرازيل، والثالث لرمزيته في تغيير نسيج المجتمع البرازيلي، الذي كان غارقًا في آفة العنصرية، فهو أثبت للمجتمع أن المهارة والجودة والشعار أهم من لون البشرة.